الثورة – فاتن أحمد دعبول:
ربما نستطيع أن نطلق عليه أنه كان مالىء الدنيا وشاغل الناس، فقد استطاع أن يكون حاضراً في قضايا الوطن جميعها، وليس فقط العراق موطنه الأول، فقد قضى حياته مقاوماً حاملاً قضيته على كتفه، وناطقاً بها بلسانه، يتنقل بين أبناء جلدته في الوطن العربي، لكن كان لدمشق وياسمينها الحظوة الكبرى لديه، فنراه يحط الرحال بين جنباتها كلما افتقد أمانه، ليجد سكنه وسكينته في ربوعها الدافئة.
وتكريماً لمسيرته الحافلة بالمقاومة أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب بالتعاون مع سفارة جمهورية العراق في دمشق وقفة تكريمية في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، بإدارة د. إبراهيم زعرور.
وبيَّن ياسين شريف القائم بأعمال السفارة العراقية أن الشاعر مظفر النواب قامة أدبية تجاوزت حدود الوطن إلى آفاق رحبة حتى أصبحت تعني كل عربي من المحيط إلى الخليج، وإن انتقل إلى دار الفناء، لكنه باق في كل ذاكرة عربية حرة تتطلع إلى الثقافة كفعل ثوري نضالي.
وأضاف: اختار الراحل دمشق مستقراً له، ونشط فيها وتلقى الرعاية والاهتمام في الساحة الثقافية، وله مع الشام وفيها ذكريات كثيرة، ولطالما تغنى بقضايا الوطن المصيرية وعلى رأسها قضية فلسطين الخالدة.
* شاعر حقيقي..
وبدوره بيَّن توفيق أحمد نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب أن الشاعر الراحل كان متماهياً مع القيم العالية والوجدان باتجاه نماء العالم، شاعر منحاز للإنسان والحق والعدالة، قال عن دمشق أنها العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين، دمشق مكان واحد.
ويضيف: ستبقى الحاجة ملحة للنظر في أشعار وحياة مظفر النواب الذي ارتبط هو والعراق والمنافي بالشعر والحنين والشوق والغضب والفرح وزخرفة الحياة، كانت قضاياه هي قضايا الأمة العربية والعالم، رحل إلى مدن العالم، لكنه في كل مرة كان يحط رحاله في دمشق يتمتع بياسمينها وفضاءاتها الآمنة.
* إرث ثقافي..
ويصف د. عبد الله الشاهر الشاعر الراحل بالقول: مظفر النواب هو إرث ثقافي راسخ وذاكرة وعي لأجيال متعاقبة من الجماهير، حملت قصائده مفردات الحزن والكآبة، ومع ذلك فالقصيدة عنده تكاد تكون بياناً سياسياً، يستند فيها على صدى أمجاد وبطولات من التاريخ، يلتقط فيها اللحظات الأكثر توهجاً في ضمير الأمة، ويؤرخ لفعلها الثوري بشعرية عالية.
والنواب تجربة شعرية صاغتها ظروفه الخاصة التي أفرزت أسلوباً شعرياً خاصاً من خلال الروح التقليدية والموسيقا الحادة، والخروج عن المألوف، وأيضا يستعين بالرمز التراثي.
* المناضل الشرس..
وكان بوح عبد الرزاق توفيق وجدانياً في حديثه عن الشاعر النواب الذي وصفه بالشاعر المناضل الشرس من أجل تحقيق مشروعه الإنساني، كان يبحث عن العدالة الاجتماعية التي فقدها في وطنه العراق، وقد كان وفياً لقناعاته التي أعطاها كل حياته، وكان الضمير المعبر عن صرخة الناس في كل مكان، حاملاً الهم السياسي، ولم يتعال يوماً على قضايا الناس.
والنواب كان بسيطاً صادقاً، عزيز النفس، يرفض العروض الكثيرة التي كانت تنهال عليه، واختار أن يدفع ثمن مواقفه دون خوف أو وجل، فظل فارس الكلمة وفارس الموقف، ومنظومة أخلاقية متكاملة، مكافحاً، مناضلاً، وهب حياته للقضايا العادلة، رحل وفي قلبه حزن شديد على بلاده.
* العظماء لا يموتون..
وتحدث صديق الراحل د. محمود جدوع بكلمات وجدانية وبأن النواب ضحى بكل شيء، وكان لا يريد إلا جواز سفر يتنقل بواسطته، كان يرفض المكاسب والأعطيات واعتلاء المناصب، وكان يقول: أنا أديب وشاعر، وكان يتقن التشكيل والرسم والغناء، وكان يبكي دماً من أجل العراق، وفي وصيته قال” ادفنوني واقفاً ووجهي صوب العراق”.
ومن بيروت جاءت نبيلة وهبي رئيس جمعية ريشة ونغم، وبينت أن موت النواب أحياه من جديد، فالعظماء لا يموتون، وخصوصاً الشعراء، والنواب شاعر مجبول بالحب والعاطفة والعطاء والثورة، واستطاع أن يكتب مجده بالكلمة المقاومة الصادقة، ورغم تمرده لكنه آمن بأن الكلمة تفعل فعل الرصاصة.
وتضمن حفل التأبين قراءة لبعض قصائد النواب من قبل الفنان التشكيلي أحمد شيخ موسى، كما وجه نجاح المعموري رئيس اتحاد الكتاب والأدباء في العراق رسالة صوتية تحدث فيها عن مآثر الشاعر ودوره المقاوم الذي ساهم بتأهيل جيل الشباب حول الحقائق الاجتماعية المقترنة مع الهوية العراقية، وكانت قصائده تردد في الاحتفالات، حتى شكل ذاكرة غنية للعراقيين.
التالي