الثورة – فؤاد مسعد:
بونٌ شاسعٌ يفصل بين نظرتين تقفان على طرفي نقيض قُدمتا عبر أعمال درامية دارت أحداثها ضمن الشام بحاراتها وأزقتها وبيوتها القديمة، تلك الأعمال التي غالباً ما دُرج على تسميتها شعبياً بـ (دراما البيئة الشامية)، والمراقب لما تم إنتاجه تحت إطارها وعرض في المواسم الدرامية المختلفة بما فيها الموسم الأخير يلحظ أن خلطاً للأوراق قد جرى وبشدة، وكلٌ يشد اللحاف نحوه فهو من يمتلك مفاتيح الحقيقة دون سواه. والمفارقة التي جرت أن أعمالاً أظهرت المرأة ضمن إطار البيئة التقليدية وهي غالباً ما تكون راضية بقسمتها، المطيعة التي تربي الأولاد وتسمع كلام الزوج وتنفذ أوامر حماتها وهمها إرضاء من حولها، عدا المرأة الشريرة التي تفعل ذلك كله ولكنها تُبطن ما لا تفعل، والملابس التي ترتديها النساء تتلاءم مع هذه الأجواء، ورغم ذلك قُدمت أحياناً خروقات حيث ظهرت المرأة بدور المحامية والطبيبة والأديبة وجاءت هذه الشخصيات في أغلبها تطعيماً لأعمال سعت إلى محاولة تبيّض صفحتها وتبرئة ساحتها من تهمة النظرة القاصرة نحو المرأة لكنها بقيت ضمن إطار السطحي بعيداً عن الدخول في العمق.
وفي المطب الآخر ظهرت أعمال تناقض هذه الصورة التقليدية تماماً وبدت فيها فتيات الليل وبائعات الهوى اللواتي يقفن في الشارع بوضح النهار ليلتقطن الزبائن، وأماكن السهر التي تضم راقصات يقدمن الاستعراضات المنوعة ويتمتعن بحظوة وحضور قوي، ويُعتبرن مركز استقطاب في الحارة للكثيرين على اختلاف مستوياتهم الفكرية والاجتماعية، لا بل يمكن أن يقفن في الساحة ويعظن بكلام تنويري نهضوي والجميع ينصت بعناية واهتمام، كما أن هناك نساء من الحارة قد يتمتعن بصوت جميل وهوسهن الغناء أمام الناس ويسعين إلى تحقيق ذلك فعلاً.
المفارقة أن غالبية تلك الأعمال دارت في فلك الفترات الزمنية نفسها تقريباً ولكن نظر كل منها بعين واحدة إلى المدينة المغرقة في العراقة والأصالة والتي تعتبر من أقدم مدن العالم، فظهر الأمر وكأن الشام شامان، ما يجعلنا نقع في حيرة حول كيف كانت الشام حقيقة في تلك الأيام؟ ومن الذي قدمها كما هي فعلاً؟ أم ترى ما يُقدم عنها على الشاشة الصغيرة في غالبيته ما هو إلا ضرب من ضروب الخيال ويندرج ضمن حكايات أشبه بـ (ألف ليلة وليلة) بكل ما فيها من شطحات بهدف التسويق والبيع ليس إلا ؟.. تساؤلات مشروعة وسط زحمة ما يُنتج من أعمال باتت صورة المرأة فيها مكسر عصا.
مما لا شك فيه أن هناك أعمالاً سعت إلى محاولة كسر النمط المتعارف عليه سعياً لتحقيق حضور أكثر عمقاً للمرأة، ولكن الدعوة اليوم لأن يتحول هذا السعي إلى حالة عامة تعكس الواقع بصدق وألا يكون العمل مجرد صدى لرؤوس أموال تسترضي المحطات. المطلوب أن يُنصِف المنتجون والكتاب والمخرجون الحضور النسائي ويقدمونه بمصداقية تكرّس المكانة الحقيقية للمرأة بمختلف الحالات والألوان والمراحل التاريخية المتعددة.