لم تكتف الولايات المتحدة الأميركية بتأجيج حالة العداء والأزمات والحروب حول العالم بهدف استثمار ذلك تدخلاً بشؤون الدول والشعوب الأخرى ومتاجرةً بكلّ أنواع السلاح الفتاك والمدمر الذي تنتجه مصانعها الضخمة، حيث تشكّل هذه التجارة إحدى أكبر روافد الدخل القومي الأميركي، وهو ما يدحض كلّ ادعاءاتها بالسعي لنشر الخير والسلام وترسيخ الأمن والاستقرار في العالم، لأن هذه القيم لاتحتاج إلى بيع أسلحة وشن حروب بقدر ما تحتاج إحقاق حقوق الشعوب المستضعفة واحترام سيادة واستقلال الدول وتطبيق ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان، لكنّها سهلت بيع السلاح واقتنائه وحمله من قبل المدنيين الأميركيين وشجعت على عرضه كسلعة عادية في المتاجر، وهو ما يترجم بشكل دائم كجرائم ومجازر ترتكب ضد الأميركيين أنفسهم، إذ من النادر أن يمر شهر من الشهور دون حدث أمني مروع يهز أمن واستقرار المجتمع الأميركي.
ولو نظرنا إلى خارطة العالم لوجدناها – أي واشنطن – الأكثر انتشاراً لجهة العسكرة من خلال إقامة القواعد في كلّ مكان وتسيير الأساطيل البحرية وحاملات الطائرات وإجراء المناورات، عدا كونها الأكثر تدخلاً وتواجداً في مناطق النزاع والتوتر التي ساهمت بتفاقمها، ولعلها أكثر دولة في العالم – إن لم تكن الوحيدة – تقديماً للمساعدات العسكرية سواء المجاني منها كما تفعل مع الكيان الصهيوني في إطار تشجيعها له لاحتلال الأراضي العربية وشن العدوان، أو المدفوع الثمن كما تفعل مع دول الناتو وبعض دول شرق آسيا، وقد بلغ بها الاستهتار باستقرار أوروبا مؤخراً التعهد بتقديم أربعين مليار دولار كأسلحة للنظام الأوكراني في حربه الخاسرة مع روسيا، وهو ما يبرهن على نزعتها العدوانية المتأصلة وفقدانها الرغبة بالسلام.
كما لا يخفى على أحد أن واشنطن هي الأكثر ممارسة ودعماً للإرهاب، إلى جانب كونها الأكثر تبجحاً بمحاربته، وقد دفعت أثماناً باهظة لقاء هذا السلوك الإجرامي المعادي للبشرية، إذ لم تسلم أراضيها أو سفاراتها أو قواعدها ولا أساطيلها أو جنودها من تداعيات هذا الدعم، ما يجعلها عدوة نفسها بامتياز، وقديماً قيل “الأحمق عدو نفسه”..!