شكل اقتصاد الظل رافعة أساسية للعديد من الاقتصادات في العالم بالنظر إلى تنوعه الكبير وشموله أعمالاً مختلفة تجارية وصناعية خفيفة وخدمية، جميعها ولدت ونشأت وترعرعت على تخوم الاقتصادات المنظمة والمضبوطة والخاضعة لتشريعات وقوانين وتعليمات تحكم عملها، وقد شهدت السنوات القليلة الماضية توسعاً كبيراً لهذا النمط من الأعمال في ضوء تراجع دور الحكومات في عمليات التنمية وتوليد فرص العمل للداخلين إلى سوق العمل من مختلف الشرائح العلمية والمهنية والحرفية والتجارية و…
ورغم أن معظم أنشطة اقتصاد الظل نجدها منفلة من كثير من الضوابط والالتزامات الرقابية والمالية والإدارية، إلا أنها لم تستطع أن تتجاوز حدود الورش الصغيرة والمتوسطة في أحسن الأحوال، ولم تتوقف عن العمل رغم الكثير من الظروف التي أدت إلى خروج العديد من الفعاليات الاقتصادية المرخصة من الخدمة وتوقفها عن العمل والإنتاج.
قد يكون العامل الأساسي في ذلك هو عدم تحمل تلك الأنشطة (الظلية) أي أعباء مادية أو تراخيص أو ما شابه ذلك، وقد يكون هذا عيباً اقتصادياً لجهة كونه يتسبب بخسارة الخزينة العامة لعوائد مالية من رسوم وضرائب وعائدات الترخيص وتجديد الترخيص وغير ذلك، إلا أنه من ناحية ثانية يمكن النظر إليه بأنه لا يشكل عيباً اقتصادياً إذا ما تم تناوله من زاوية حجم فرص العمل الكبير الذي تولده تلك الفعاليات (الظلية) والتي بالتالي تؤمن دخلاً لشرائح اجتماعية واسعة غير مهيأة لدخول الوظائف سواء في المؤسسات العامة أو الخاصة، وبالتالي هي تساهم في تسريع دورة الاقتصاد وتحقيق تنمية مباشرة رغم أنها تبدو غير مساهمة في دعم الاقتصاد الكلي وأحياناً تجد من ينظر إليها على أنها عبء على الاقتصاد.
ما بين وجهتي النظر هاتين يمكن الاحتكام للظروف المرحلية التي يمر بها كل اقتصاد والموازنة بين ضرورة تنظيم وضبط تلك الفعاليات (الظلية) وإلزامها بدفع رسوم وضرائب و.. غالباً ما تكون خارج قدرتها المالية، وبين أن تبقى خارج ضوابط الالتزام المالي لكنها توضع تحت الرقابة المناسبة للمنتجات والخدمات التي تقدمها.
ذلك أن ظروف الاقتصادات التي تمر بلادها بأزمات مختلفة تستدعي التعامل مع الواقع وفقاً للضرورات، (ولا نقصد هنا أن نبيح المحظورات)..
ولعل في هذا ما يبرر المشاهد غير المألوفة التي تصادفنا اليوم في مختلف الشوارع والحارات والأزقة وحتى على الطرقات الرئيسية، والمتمثلة بوجود (بسطات) تبيع مختلف المنتجات من الخضار والفواكه إلى الملابس والأحذية والجلديات بأنواعها إلى أبسط (بسطة) والتي تباع عليها العلكة وقطع البسكويت..
هي فرص عمل متناثرة لكنها بمجموعها تشكل حركة اقتصادية تساهم بشكل كبير (نظراً لاتساعها) في تنشيط مختلف جوانب الإنتاج الزراعي والصناعي لكونها تعتبر أبواب تصريف كثيرة وواسعة وقادرة على زيادة حجم المبيعات.. وقبل ذلك هي بالأساس جاءت على خلفية الحجة لفرصة عمل مناسبة لتوليد الدخل.