الثورة- تحليل لميس عودة :
يبدو أن الإخفاقات المتتالية من تحقيق إنجاز عسكري يقلب القواعد الميدانية المثبتة بمداميك التفوق الروسي في أوكرانيا، والفشل الذريع بإحراز فائدة مرجوة من حزم العقوبات الاقتصادية المسيسة على موسكو لعرقلة عمليتها العسكرية الدفاعية، باتت مصدر غيظ وقلق وارتباك لكل من واشنطن ودول الغرب التابعة لها، فما كان لأميركا إلا صب مزيد من زيوت الاشتعال على نار الأزمة المفتعلة بحزمة سادسة من عقوبات جديدة مفادها حظر تدريجي للنفط الروسي، وهو عصب حياة أوروبا وأكسجين صناعاتها، وهي تعي جيداَ أي واشنطن أنها تضع القارة العجوز على مفترق طرق خطيرة جميعها تزعزع استقرار دولها وتقطع عن شعوبها إكسير الطاقة الروسية .
ففي لعبة الجموح الأميركي لتوسيع الهيمنة ترمي واشنطن مفخخاتها على رقعة الاقتصاد الأوروبي لتهز أركانه وتصيبه بمقتل العوز وشح الموارد وصعوبة تأمين بدائل فورية، وتغلق بوابات الحلول الممكنة المتمثلة بضمان الأمن القومي الروسي ووقف التهديدات والتعديات .
موسكو التي تدرك أبعاد حزمة العقوبات العبثية الجديدة وغاياتها للتضييق على اقتصادها المتين، اعتبرت أن دول الغرب التي تنفذ المشيئة الأميركية تغلق بوابات العقل والتبصر بمآلات الانسياق وراء قرارات العته السياسي والاقتصادي، وتضع اقتصاد دولها على صفيح لاهب ينذر بأزمات حادة، الأمر الذي وصفه نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف بأنه إشعال “نيران الثورة العالمية في الاقتصاد”، فهذه العقوبات وإن كان ظاهرها المعلن تمزيق الاقتصاد الروسي إلا أن الهدف الأميركي المبطن منها إشعال نيران ثورة عالمية في الاقتصاد، فالتبعات وخيمة والارتدادات قوية التي ستطول أولاً اقتصادات الدول الأوروبية التي فرضتها.
فأوروبا لا يمكنها فطام نفسها بشكل فوري عن المواد الخام الروسية لأن مواطنيها حسب مدفيديف هم من سيصيبهم الضرر الأعظم نتيجة قطع شرايين إمدادات النفط الروسي نتيجة عدم توفر بدائل طاقة فورية بنفس الجودة في غضون بضعة أشهر.
الصين أيضا تدرك غايات العبث التخريبي الذي تمارسه أميركا بوضع العالم على فوهة بركان أزمات لضمان هيمنتها، لذلك نوهت على لسان خارجيتها بالمخاطر الكبيرة الناجمة عن التهور والعمى الاستراتيجي الذي يصر قادة الغرب على اتباعه دون التدقيق بالكوارث الاقتصادية المحتملة، وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان أن العقوبات الجديدة ضد روسيا ستجعل أوروبا والعالم بأسره يدفعان الثمن باهظاً، موضحاً أن الحقائق تثبت أن الضغط بالعقوبات ليس الطريق الصحيح لحل الأزمة الأوكرانية وأن سكان الدول سيواجهون صعوبات جديدة قادمة كالتضخم والبطالة، وسيضطر العالم إلى مواجهة أزمات الطاقة والسلع التموينية.
اذاً فالرهان على إحداث هزة في الاقتصاد الروسي نتيجة حظر النفط الروسي في أوروبا هو رهان خاسر جديد لن يلحق الأذى بالاقتصاد الروسي بمقدار الأذى الذي سيصيب الاقتصاد الأوروبي، ولن ينجو من تبعاته أيضا الاقتصاد العالمي، ولن يغير في معادلات الدفاع عن الحقوق الروسية بحفظ الأمن الاستراتيجي، لذلك فعلى الدول الأوروبية التي تُدار بأزرار التحكم الأميركية الإدراك وقبل فوات الأوان، إلى أي منزلقات خطرة تدفع بهم أميركا التي لا يهمها إلا سطوتها الاستعمارية.
