ثورة أون لاين:رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم
لم تُخرج استقالة الوزير الكويتي على خلفية اتهامه أميركياً بدعم الإرهاب كل ما في الجعبة، ولم تُمط اللثام عن كل المشهد، بتفاصيله المؤجلة أو تلك التي لا يزال متاحاً الإمساك بخيوطها حتى إشعار آخر، وإن كانت في نهاية المطاف كرة ثلج تضيف إلى ما تراكم وهي تتدحرج على سوط الاعتراف أو بساط الإنكار.
وإذ تتزامن مع مفارقات حادة في المقاربات الغربية من موضع الإرهاب، فإنها في الوقت ذاته تتقدم على مسارات أخرى للدخول في المجابهة المفتوحة، مع تعرجاتها وما يندرج تحت سطورها، حين تعلن روسيا أن الإرهاب في سورية لم يعد بمقدور الغرب أن يغطي حجمه، ولا التستر على الأذرع الاقليمية والعربية المتنقلة التي رعته ونمّته وغذّته على مدى السنوات الماضية.
تفوق الإرهاب على سواه من المفردات والمصطلحات وبات الأكثر تداولاً في الخطاب السياسي والإعلامي الغربي على نحو لم يبلغه مصطلح في التاريخ، لكنه في الوقت ذاته احتفظ لنفسه بمساحة توظيف مزدوج، واستطاعت «البروباغندا» الغربية أن تُتوّجه ملهماً وموجهاً لكثير من مفرداتها السياسية.
وفيما بدت سطوة الاستخدام قادرة على تغيير معطيات السياسة ومفردات الدبلوماسية، ظلت مختلف المتغيرات العاصفة في العالم على صلة مباشرة أو غير مباشرة بالإرهاب، سواء في الضغط السياسي أم في عملية الترويج الدعائي لعمليات الاستحواذ على مناطق النفوذ وما نتج عنها من صراعات بنيوية ومعارك قاسية ومفصلية في تاريخ العلاقات الدولية، حتى لو جاءت في بعض تجلياتها هادئة على السطح فقد بقيت صاخبة ومتفجرة في العمق.
اليوم، لا تختلف المعادلة إلا في الدلالة، وقد مارست القوى الغربية أقصى درجات الضغط لتسويق نماذج ومقاييس ومعايير تصلح لتكون قاعدة للتعامل مع الإرهاب، من بوابة الاستخدام لإعاقة كل ما من شأنه تأخير أو تأجيل إعلان فشل مشروع يتقاطر الإرهابيون تحت لوائه، وتنتصب الجسور الجوية غرباً وشرقاً، فيما صناديق التمويل تتحرك في كل الاتجاهات..
تحت هذه العناوين كانت الأصابع المفلسة في المنطقة ترى فيه طريقاً للنفاذ لما هو أبعد، وبات صالحاً لترويج البضائع الكاسدة على مدى عقود خلت، وتحول التحريض داخل القاعات المغلقة على سورية إلى أجندات مفتوحة للانتقام، وكان الإرهاب طريقة ووسيلة وأسلوبا، حتى تحول الى بيادر تحصد أنظمة المشيخات وأعراب التجوال في العواصم عبره ما زرعه الغرب من أجنة في داخل المنطقة، لتكون البؤر الإرهابية محاولة مكافحة حيوية قادمة إلى مخادع العروش وخيم الأمراء.
حين اقتربت السهام المرتدة عن الإرهاب من الخروج عن السيطرة، بعد أن ارتطمت بصخرة العجز والإفلاس، خرجت ماكينة التحريض من أوكارها وهي تكيل التهم يميناً وشمالاً، بعد ان اغمضت العين على مدى سنوات خلت عن الإرهاب ومموليه وحاضنيه، فيما كان الرعاة يرون فيه طريقاً إضافية للعب في الوقت بدل الضائع، فكانت الجسور الجوية تعبيراً رمزياً عن التكلفة الجديدة المنتقاة للحد من خسائر المواجهة على تزعم جبهات الإرهاب.
على هذا النحو كان الحديث الروسي محاولة متقدمة لإطفاء نيران تلتهب، وتهدد ما حولها، وتشعل الغرب بالشرق، وتمطر ما بينهما بعشرات المتفجرات المتنقلة، وليقدم الدليل على أن الإرهاب الذي احتضنه الغرب وتحالف مع رعاته وتشارك معهم في جلسات إدارته وتسويقه، كان منتجاً وحامياً ومصدراً له ويرفض نقاشه في قاعات مجلس الأمن.
في المعيار الغربي تتعدد الروايات وتتكرر الأمثلة الفاضحة على مرارة التجارب التي تضع البشرية برمتها في اختبار المواجهة مع الإرهاب، وترسم على المسار الموازي له مسارب للانتقام وقنوات للقصاص ممن انتهت صلاحية استخدامه، وإذا كانت بدايتها ببعض رؤوس الوزراء الفائضة عن الحاجة، في إمارة هنا ومملكة هناك فإن المسطرة الغربية التي ترسم إحداثيات الإرهاب تتهيأ في نهايتها لإعادة تشكيل خرائط قد تكون فيها المشيخات والممالك فائضة عن حاجة الجغرافيا والتاريخ بعد أن انتهت فعالية وجودها الوظيفي!!
a.ka667@yahoo.com