ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
تستدرج حالة «الحرد» التي يمارسها كيري بالضرورة الأسباب التي دفعت الدبلوماسية الأميركية إلى تغيير مسار أجنداتها، ولا تخفي الرغبة في البحث عن الخيارات التي تكاد تساوي في محصلتها النهائية الصفر، بحكم أن كل ما يجري في نهاية المطاف لن يغير في النتائج.
فالواضح أن الحائط المسدود لم يكن وليد اللحظة، ولا هو حالة مستجدة في سياق التطورات، لكن.. كان هناك من لا يريد أن يراه، ومن يراهن على الوقت والوهم معاً كي يختفي الحائط من الوجود!! بحكم التطورات العاصفة التي تشهدها المنطقة، والتي تجعل المستحيل ممكناً، والخطوط الحمر وجهات نظر، ومسح ما ينوف على ستين عاماً من العدوان والظلم والحيف متاحاً، ولديه الأرضية ويتوافر المناخ ليصبح كل شيء كما تشتهي أميركا ووفق ما ترغب به إسرائيل.
والأوضح من هذا وذاك أن التعويل كان قائماً حتى اللحظة الأخيرة، والوعود سارية المفعول وصالحة للاستخدام في تخدير الرأي العام، رغم القناعة باستحالة الطرح من جهة، وعدم الواقعية في المقاربات التي بنت عليها الإدارة الأميركية أوهامها لتحقيق الاختراق من جهة ثانية.
لكن ذلك بالتأكيد لا يخلو من المفارقة، على اعتبار أن الحرد الأميركي يشكل تحولاً مثيراً في التعاطي مع المسائل الشائكة، ونقطة اشتباك جديدة تضاف إلى الملفات العالقة، والإشكالية في الأداء الدبلوماسي الأميركي في عهدة كيري، الذي يقدم نماذج غير مسبوقة في التعرج والتباين الحاد في المسائل الجزئية والكلية.
المفاجأة الوحيدة التي يمكن تسجيلها ستكون دعوة الجامعة إلى الانعقاد في جلسة طارئة، حين جاءها أمر العمليات الأميركي بالتحرك العاجل والمباشر للضغط على الفلسطينيين، وهي لم تتخذ ما يلزم من احتياطات لتكون جاهزة لهذه المهمة المستعجلة، بعد أن حُيدت عن المفاوضات نهائياً ولم تُستشر حين بدأت ولا حين تعثرت، وحتى هي لم تكلف نفسها عناء السؤال عن حالها وأحوالها.
في التفسيرات الجانبية الملحقة يبدو أن اللجوء الأميركي للجامعة – لتكون ورقة ضغط إضافية – يقدم شرحاً مبسطاً لقاعدة التعامل الأميركي مع التصرف الفلسطيني، وكانت زيارة أوباما إلى السعودية قد هيأت الأجواء لما هو أبعد من ذلك، حين أوكل إليها مهمة تسويق الخطة الأميركية وتبنيها، لتقوم بالدور الوظيفي الجديد على قاعدة التفاهم المسبق على بديهيات المرحلة من بوابة الاتفاق الاستراتيجي في دعم الإرهاب.
وحين يحرد كيري ثمة معضلة سياسية يصعب فك رموزها وتجاوز ما يختلط فيها من أوراق، حيث تتراكض الأعراب إلى دراسة الأعراض المرضية والاستطالات الناتجة عن ذلك، وسط زوبعة من المفارقات المدهشة في العروض التي تقدمها مشيخات الخليج والدول الوظيفية لإرضاء الأميركي، وبعضها قدم لائحة بخدمات معظمها غير مطلوب في الوقت الحاضر.
لذلك لن يقتصر الأمر على دعوة الجامعة العربية للانعقاد، ولا على ما يأتي لاحقاً من إضافات فردية على المهمات الوظيفية المستحدثة، بقدر ما ينعكس على الناتج العام في عملية قد تكون الأكثر حضوراً في سياق التداعيات التي يحملها الحرد الأميركي وما يقف خلفه من غضب إسرائيل.
الفارق أن ما عجزت عنه أميركا بنفسها لم تتمكن منه عبر وكلائها، وما فشلت في تحقيقه بأوراق الضغط والتهويل والتهديد، لن تناله عبر عصا الجامعة وعكازات المشيخات والأعراب التي تواجه انحسارها في كل الاتجاهات، وتتلمس معالم احتضارها وهي تتهيب خوض غمار التجارب المرة في أرذل العمر من وجودها، حيث تكثر حالات العجز وتزداد قضايا الإفلاس في السياسة وفي التآمر وفي الخيانة.
والمؤكد أن الأميركي المصدوم من مشهدالطاولة المقلوبة لا يصلح لفرد الطاولات وتجهيز القاعات، فيما الجامعة التي كانت الشاهد المتواطئ على حقب التصفية المتتالية للقضية الفلسطينية، والشيطان الصامت في المرحلة النهائية، لا تستطيع أن تكون غير ذلك، فرزمة الأجندات الأميركية المسبقة الصنع انتهت صلاحية استخدامها، وهي تواجه ارتدادات الفشل على امتداد المنطقة!!
a.ka667@yahoo.com