الثــــورة:
تتلاعب الفنانة ريبيكا سزيتو Rebecca Szeto بمفاهيم إعادة تشكيل الجمال وقيمه، والإبداع وصوره، والتاريخ وما ورائيته وما يتيحه من إرهاصات وقصص وحكايات غامضة تثير الدهشة وتدفع للتفكير والتحليل، وما يرافقها من زخم فني وتصميمي وإبداعي..
سزيتو وهي بالأساس فنانة تشكيلية ، تعتمد مختلف الخامات والتقنيات في فعلها الفني الذي تجمع فيه بين عناصر الذكريات وتاريخ الفن مع محيطها المباشر، وفي سلسلة “Paintbrush Portraits” والتي تعيد فيها استخدام مواد متواضعة مستهلكة تكاد تكون منتهية وبلا استخدام وفي طريقها الحتمي نحو صندوق القمامة، تقف سزيتو في شجاعة بوسط الطريق، فتنتشلها من النهاية الحتمية حيث الزوال والفناء، عبر إعادة التدوير، لتُعيد لها الحياة، ولكن في شكل إبداعي مختلف.
بصرف النظر عن تبني الفروق الدقيقة، تتسلل الحالة الإنسانية والمناخ السياسي لما بعد الإنسان، حيث تسلط الضوء على الجماعات المهمشة والأفكار التي تم تجاهلها، حيث تدعو المتلقين إلى اجترار مساهماتهم وعلاقاتهم الحياتية وأفعالهم في المشهد المجتمعي.
حيث تحول Szeto أدوات الرسم والتشطيب المستخدمة في التشطيبات الداخلية للمباني، بالإضافة لفراشي الرسم بمختلف أحجامها إلى تماثيل نموذجية مستوحاة من التاريخ والمجتمع المعاصر والإمكانيات غير المستغلة للمواد المهملة، وقد أطلقت على مجموعتها عنوان Paintbrush Portraits ، والتي تقوم فيها بعملية فنية أطلقت عليها “توليفة تحولية بروح الدعابة في كثير من الأحيان للتوقعات المرتبكة” .
تستخدم الفنانة المقيمة في سان فرانسيسكو فراشي الرسم القديمة والمستهلكة بكل أنواعها وأشكالها متآكلة الشعر أو منفوشته، ذات شعر أشعث أغبر، أو مهندم مسترسل، أو متطاير مثني الخصل ليس بفعل الرياح، ولكن بفعل الزمن وكثرة الاستخدام أو لعله الإهمال والكسل عن التنظيف بمحاليل ومنظفات، مما أكسبها وضع الثبات والتصلب على آخر شكل تم استخدامها فيه، إلا أن الفنانة وجدت في هذه الحالة من الثبات والمثالية بُعداً مغايراً يثير شهيتها الفنية لتنقله لحالة إبداعية أخرى.
لم تترك الفنانة فراشي بأي شكل إلا واستخدمتها، فمن عريضة البنيان لطويلة القوام، لمعقوفة اليد أو مستقيمتها، قصيرة غليظة أو حتى مستديرة مستدقة، على أنها لم تكن تتوقع بالضبط كيفية استخدامها، فتحفر نهايات فُرَش الرسم المستخدمة لهيئة سيدات عصر النهضة، وتحول شعيرات الفراشي الملونة لتموجات الفساتين الفخمة المنفوشة المكتظة بالثنيات والطيات ومختلف الطبقات النسيجية.
حيث أن فريبيكا سزيتو تعمل على Paintbrush Portraits ، منذ العام 1999، وقدمت سلسلة متواصلة من الشخصيات التي تم إنشاؤها من فراشي قديمة.
عندما بدأت مشروعها الفني، كانت تعمل في التشطيبات الداخلية معمارياً، بالإضافة لعملها الفني، ونظراً لاهتمامها البالغ بالبيئة فقد بدأت في جمع فُرَش الرسم والدهان لمنع رميها بعيداً.
تقول :”لقد جمعت الكثير من الشعور بالذنب تجاه البيئة من العدد الهائل من المواد التي شاهدتها ويتم التخلص منها، ثم أتى إليَّ الإلهام، فقد رأيت فرشاة قذرة بها بقعة صغيرة من الطلاء الأحمر عليها، وذكّرتني بإنفانتا مارغريتا دي أوستريا من فيلازكيز (1654)، فبدأت بتزيينها وإعادة رسمها وتكييفها بالدهانات الزيتية.
قدمت سزيتو ثلاثة إصدارات من Paintbrush Portraits روت في رسومات الطبعتين الأولى والثانية تاريخ الفن فقط، بينما تناولت في الإصدار الثالث قصص النساء المفقودات والغامضات والمؤثرات عبر التاريخ والجغرافيا.
و توضح سزيتو “لطالما كانت سلسلة Paintbrush Portraits وسيلة لتقديم تعليقات اجتماعية ساخرة من خلال المرجع التاريخي والحرفية الواعية بالبيئة، على أن سلسلة الفراشي لا تزال استكشافاً شخصياً للتواضع الدائم والكرامة الخفية للحالة الإنسانية، حيث وضعت جانباً المفاهيم المسبقة حول المواد حتى أتمكن من استكشاف خصائصها المتأصلة بحرية والتحقيق في المعنى الموجود تحت السطح”.
و يؤدي إقران فراشي الرسم المهملة مع الموضوعات والأفكار التي غالباً ما يتم تجاهلها – لا سيما القيام بذلك بطريقة رقيقة ومدروسة – إلى تسليط الضوء على هذين العنصرين، ويكمن اهتمامي في كيفية تجاوزنا للأوقات الصعبة والتسميات اللغوية وتقديم لحظات مميزة تصور كائناً ثميناً ضاع منذ زمن طويل.