الملحق الثقافي:
جميل ألفريد حتمل قاص موهوب، وصحافي مبدع وسليل أسرة فنية أدبية مشهورة في دمشق وحوران. ولد عام 1956 في دمشق وتلقى دراسته الثانوية في ثانوية العناية الرسمية، وظهر ميله إلى الآداب والفنون في سن مبكرة فقد أحاطه والده الفنان التشكيلي ألفريد حتمل (1934-1993) بالرعاية والتوجيه والاهتمام حتى نشأ نشأة أدبية وفنية متميزة.
فجع بفقد والدته وهو طفل صغير، فأحس بمرارة اليتم وعصر الحزن والألم قلبه الطري.. ولكي يعوّض عن المرارة والأسى اتجه نحو المطالعة وقراءة الكتب الادبية والتراثية، ووجد في مكتبة خاله حكمت هلال الغنية والمليئة بآلاف الكتب و المجلات فرصة سانحة لكي يعب منها ويرتوي.
كان على جميل أن يعيش وأخويه مع زوجة أب لم توفر له كل الدفء والحنان، فأحب أن يستقل ويبني شخصيته بنفسه ويعيش على هواه بعيداً عن الضغوط والهيمنة، فخاض غمار السياسة وأخذ يكتسب شخصية مستقلة…يكتب ويطالب بالحرية وتطبيق الديموقراطية والكرامة الإنسانية فكان نصيبه السجن الذي أورثه المرض و هو في ريعان الشباب.
تزوج وأنجب طفلاً لعله ينسى مأساته ويستعيد شيئاً من الدفء والحنان المفقودين، فتنكرت له زوجته وتركته وحيداً كالقصبة الجوفاء في مهب الريح، يعاني المرض والبؤس والضيق والحرمان بعيداً عن الوطن ومرابع الطفولة، في وقت كان بأمس الحاجة إلى من يعطف عليه و يرعاه في غربته القاسية، وقد اعترف في إحدى قصصه بتنكر زوجته له إذ قال:» لأني أحب امرأة تركتني، وكل امرأة أحبها تتركني..« وقال في قصة أخرى:» امرأة تركتني عند مفترق شارع هكذا ذات صباح، لم تقل وداعاً، مضت على أنها عائدة ولم تعد..
*****
أما على صعيد الحياة العملية فقد بدأ جميل حتمل كتابة القصة القصيرة في سن مبكرة، واعتبر منذ ذلك الوقت أحد أهم الأسماء في جيل السبعينات في سورية.
آثاره الأدبية
أصدر جميل حتمل في حياته أربع مجموعات قصصية هي:» الطفلة ذات القبعة البيضاء« أهداها إلى والده الفنان» ألفريد حتمل« الذي يرسم حياة وسط هذا الرماد، ونجوى وردة في قلبه المتعب و»يوسف« فرساً من صلابة وعشق و»جبرائيل« صمتاً- يخبىء حرارة إنسانية لاحد لها. و»انفعالات« أهداها إلى المرأة التي رمته في بحرها ثم جفت، و»حين لابلاد« أهداها إلى »ألفريد حتمل« أيضاً و»قصص المرض قصص الجنون« أهداها إلى النساء اللواتي رتب رحيلهن ليفتقدهن، أما المجموعة الخامسة »سأقول لهم« فقد صدرت بعد وفاته وقد قامت المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عمان بإصدار المجموعات الخمس في مجلد واحد عام ,1998 وقدّم لها الروائي الكبير عبد الرحمن منيف (1933- 2004).
****
تدور أكثر قصص جميل حتمل إن لم أقل كلها في مجموعاته الخمس، حول مأساة مرضه ومعاناته وفشله في الحب والزواج، وتشرده وانكساراته ودخوله المشافي والسجون وشوقه إلى الوطن ومرابع الطفولة، وبيته القديم.. وقد عكس في هذه القصص واقعه المؤلم بصدق وصراحة وعفوية، ودون تمويه، يقول واصفاً هذا الواقع:
ويعترف في قصة» الطفلة ذات القبعة البيضاء من القش«. بحاجته الشديدة إلى حنان الأم ورعايتها، وبأنه الرجل الطفل المنهك المكسور المبعثر كزجاج، المليء بالأحزان والطموحات فيقول:» أنا الرجل الطفل، الرجل المنهك، المكسور كزجاج, المبعثر كزجاج, أنا الرجل المليء بالأحزان والطموحات, الرجل الذي لايسمعه أحد, أو الذي لايعرف كيف يوصل صوته…
ويتحدث في قصة» انفعال« بصراحة أكثر حين يقول:» أنا الذي يعيش الانهيارات كاملة, وحتى انهيار الحياة ذاتها.. إنني أعيش الحياة لأنني ضعيف فقط, بل لأني أملك حساسية, ربما تكون زائدة عن حدها..«
إن من يقرأ قصص جميل حتمل يلاحظ سمة الحزن البارزة فيها بشكل واضح, وأسباب الحزن عنده كثيرة، في طليعتها مرض القلب المزمن الذي كان يهدده بالموت في كل لحظة، وفراق الزوجة والطفل, والغربة القاسية عن الأهل والوطن ورفاق الطفولة، وفقد الأم، والأحلام المنكسرة التي لم تتحقق و الطموحات الخائبة، والقلق النفسي.
يقول الروائي عبد الرحمن منيف في مقدمة مجموعة أعماله القصصية الكاملة:» إن الصفة الأساسية التي تطبع أبطاله هي الحزن, الحزن الذي يرافقهم، ويحرمهم من أبسط الحقوق :الحب..«
ويضيف:» بقدر ما يبدو الحزن- ذلك النبات الوحشي- عاملاً سلبياً يفتق الروح والجسد، فإنه حين يستقر في القلب، لايسوّد نظرة الإنسان للحياة فقط, بل يصبح مستساغاً لذيذاً، وبعض الاحيان ضرورياً لأنه يخلق توازناً بين النظرة والمعاناة، ويصبح انعكاساً للداخل.. وهذا ما نجده مبثوثاً في ثنايا القصص الكثيرة التي كتبها جميل حتمل..«
يقول جميل في إحدى قصصه المتأخرة:» قلبي يؤلمني إلى الدرجة التي لن أستطيع بها خلع ملابس النوم لارتداء غيرها.. أنا متعب, وقلبي يتقلّص، يذبل وجعاً..«.
لقد جاءت قصص جميل حتمل ومقالاته التي كتبها ولم تجمع حتى الآن، شهادة على العصر العربي الصعب- كما يقول عبد الرحمن منيف- بكل ما فيه من انكسارات وتحديات واحتمالات.
العدد 1101 -28-6-2022