الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
ميلينا احتفظت بكافكا بقلبها حتى النهاية، ولا شك أنها انتمت إليه «حتى لو قدر لها ألا تراه….»
إن كنا قد أغلقنا أعيننا ونحن نقرأ رسائل كافكا إلى ميلينا وأبحرنا معه في أعماقها، إلا أننا مع رسائل ألبير كامو الى حبيبته ماريا كاساريس شعرنا «أنها انتصاره الصغير حيث يعيش في القمة تمزقه السعادة …» وتجيب هي «أُحبُّك جدًّا. أُكتُبْ، أُكتبْ، أُكتُبْ، ولا تتوقَّف عن الكتابة، أَحتاج رسائلَكَ كي أَشعر أَني أَعيش».
تزدهر الروح بكلمات ينطقها القلب تختص بها رسائل عشاق تفردوا في اختصار المسافات ورقياً، وأثمرت عن كتب خلدت لحظات خاصة جداً، حين قام بتلك المراسلات أدباء خفقت قلوبهم (رسائل كافكا لميلينا، رسائل ألبير كامو لماريا كاساريس ، غادة السمان وغسان كنفاني، مي زيادة وجبران خليل جبران…)
قراءة تلك الرسائل تحيلك الى اختلاف كل نوع عن الآخر فبينما سارتر يروي في رسائله تفاصيل يومه لسيمون دوبوفوار، نرى في رسائل ألبير كامو التي نشرتها ابنته بعد رحيله عمق حبه لماريا لقد كانت الوحيدة بالنسبة له، وكان هو قدرها..
الرسائل التي نشرتها غادة السمان لغسان كنفاني أظهرت حبا ملتهبا «إن المسافة التي ستسافرينها لن تحجبك عني، لقد بنينا أشياء كثيرة معا ً لا يمكن، بعد، أن تغيّبها المسافات…، أعطيك العالم إن أعطيتني منه قبولك بي، فأنا أيتها الشقية، أعرف أنني أحبك وأعرف أنني إذا فقدتك فقدت أثمن ما لديّ، وإلى الأبد..»
تحتار وأنت تقرأ تلك الرسائل أيها تنتقي فالكثير منها تحف أدبية صيغت بأسلوبية التقطت لحظات غارقة في الخصوصية والحميمية لتخلد لحظات عاطفية أحتفظت بدويها حتى اليوم…
مع انتقالنا إلى نوع آخر من المراسلات (مسنجر، واتس آب…) ألم تتغير نكهة الكلمات…؟
ما بين كلمة تكتب ورقياً وتأخذ الحروف مداها وكأنها تغمس بحبر الروح، وما بين ملامسة أزار نسارع إلى بث جمل قصيرة، على عجل، ننصرف بعدها إلى شؤوننا العاجلة ناسين غالباً أن الروح يمكن أن تنبض والقلب يخفق، بينما الأيدي تستعجل اللهاث خلف الشؤون الحياتية…
مع هذا التغيير لا شك أن مذاق عاطفي نتوهم فيه أن قلوبنا اختطفت بينما لاتزال مكانها، كبسة زر قادرة على مسح هذا الوهم تماماً…!!
العدد 1102 – 5-7-2022