لا أدري لماذا يجتاحني موج من الحزن الذي لا مبرر له، عندما أسمع أو أقرأ كلمات اغنية سعدون الجابر التي يقول فيها: بنيت في الرمل بيتي وكم تخون الرمال …
ولا أوهم نفسي أن المعنى المقصود فردي أبداً، فالبيت ليس إلا دلالة على الأسرة والوطن، وأكتشف أن الحزن الذي يعتريني هي الرمال المتحركة التي نعيش وهم ثباتها، فإذا هي مع أول إعصار أشتاتاً وفي كل الأنحاء.
الرمال التي تخون لم نحسن حتى الاستفادة منها في هذا الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج.
جاء من يسرقها، ويعرف كيف يبني منها ليس أبراجاً وإنما أدق وأذكى الصناعات التقنية.
رمال سعدون الجابر عبر عنها حليم بركات بطريقة أخرى مختلفة في كتابه المهم جداً: الاغتراب في الثقافة العربية .. إذ يقول: (إن أقدامنا لا تطأ أرضاً صلبة .. إذ كثيراً ما حصل التغيير من دون أن يكون لنا دور جوهري في التخطيط له وصنعه.. فاجتاحتنا الأحداث، حيث وحين لم نتوقعها كما لو كانت طوفاناً.
وكادت حياتنا تتحول إلى كفاح بائس ضمن حدود ضيقة يصعب تجاوزها.
ولأن التغيير حصل لنا أكثر مما شاركنا في صنعه، تراكمت حولنا وفي صلب حياتنا التحديات والتناقضات والمعضلات من دون حلول .. وأسوأ من كل هذا أنه أصبح يعتبر من المثالي أن نفكر بمشروع مستقبلي).
لست ممن يعيشون في بوتقة البكاء واليأس والقنوط، دائماً أشعر أن يداً حانية قوية وعقلاً جباراً يعمل، واللحظة المناسبة لابد آتية.
..هي انبعاث من الرماد، لكني اليوم أتأرجح بين رمال سعدون الجابر والأرض الرخوة التي أشار إليها بركات مع واسع الأمل أن هذا ليس إلا سراباً، ولكنه طال أكثر من اللازم .. وفي التفسير الذي لابد منه لهذا الخراب أننا لا نعمل بعقلية جماعية.. كل مؤسسة يحكمها فرد يتخذ قراراته بغض النظر عن أي تشاركية.
في كل العالم الثالث هذا قائم وكائن إلا ما ندر ..ثمة من يبني مدماكاً ليأتي من يهدمه بحجة أنه يبني الأسلم، وتتوالى الكوارث التاريخية، لنعيش بين لذة الهدم ووهم أننا نصنع الجديد.
ألم يقل بدوي الجبل ذات يوم: إني لألمح خلف الغيم طوفاناً.
هو إعصار من حب ووفاء، إعصار عنقاء من ضحى ومن يعمل بصمت… نؤمن بك أيها الوطن شامخاً قوياً بهياً.. نؤمن أن الأقدار هيأت لنا رباناً ماهراً ولابد من صنعاء وإن طال السفر.
الدرب طويل طويل، لكننا نعبره بثقة، ويقين النصر ورمالنا لن تخون، لأن كل ذرة رمل عطرت بدما حرٍّ أبيّ.