الغلاء المرهق والفاحش عندنا في اللحوم والأجبان والألبان ومختلف المنتجات الحيوانية، ليس ناجماً فقط عن طمع التجار وجشعهم – كما يُخيّل إلينا – وإنما الأخطر من ذلك هو طريقة التعاطي مع الحيوانات المنتجة لهذه العناصر الغذائية وكيفية دفعها نحو زيادة العطاء والإنتاج لتنخفض التكاليف ويزداد العرض فيغطي حجم الطلب .. وما أن يتفوّق عليه حتى تتراجع الأسعار تلقائياً وتنخفض في الأسواق.. ولكن المشكلة كيف يمكننا الوصول إلى ذلك ..؟
في الواقع إن الطرق التي يتبعها الأخوة المربون تكاد تنحصر في تأمين العلف وبعض العناية الصحية للثروة الحيوانية في أحسن الأحوال، وبطرق بدائية، كما أن الكثير من المربين تاركين الأمور – كما يُقال – على السبحانية إلى حدٍّ كبير، فلم نأخذ علماً أن لدينا مربين يهتمون بما توصّل إليه العلم في مجال تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات واستثمار نتائج تطبيقها على الحيوانات بما يؤدي لزيادة انتاجيتها أربعة أضعاف مع خفض استخدام الموارد من أرض وأعلاف ومياه وأدوية بيطرية..!
فاليوم في الوقت الذي يصل فيه إنتاج البقرة الحلوب في سورية إلى / 2500 / كغ بالموسم، فإن متوسط نظيرتها في الدول المتقدّمة / 10 / آلاف كغ بالموسم، كما يبلغ متوسط وزن ذبيحة الأبقار في سورية ١٥٢ كغ، بينما تحت ظروف الزراعة الحيوانية الذكية والزراعة الحيوانية الرقمية يصل متوسط وزن ذبيحة البقر إلى ٣٩١ كغ في الدول المتقدّمة.
ويبلغ متوسط إنتاج الغنمة في بلدنا من الحليب نحو ٦٥ كغ بالموسم بينما بلغ تحت ظروف الزراعة الحيوانية الذكية ٢٥٣ كغ
أما متوسط إنتاج العنزة من الحليب فيبلغ محلياً ٩٨ كغ بينما يصل في الدول التي تمتلك المعارف وأدوات تطبيقها إلى ٧٩٣ كغ
وفوق هذا ففي ظلّ مفاهيم الزراعة الحيوانية الذكية الرقمية والدقيقة أصبح التحكم بقطعان الثروة الحيوانية يتم من خلال الذكاء الاصطناعي وأدوات انترنت الأشياء والريبوتات وبدأت الزراعة الحيوانية التقليدية والاتصال المباشر بين مربي الثروة الحيوانية والحيوان بالتلاشي وأصبح التحكم بالحيوان يتم من خلال وسائل الاتصال الحديثة والمستشعرات الحيوية.
أين نحن من هذا كله ..؟! وما هذه الفجوة المعرفية السحيقة التي ندفع ضريبة مخاطرها نحن المستهلكين ..؟ أربعة أضعاف الإنتاج الممكن نخسره بكفاءة، أي أن الأسعار كان يمكن أن تُقسّم على أربعة، أو على ثلاثة على الأقل، أي أن كيلو غرام اللبنة الذي نشتريه اليوم بعشرة آلاف ليرة كان يمكن أن ينخفض إلى الثلاثة آلاف ..أو أربعة آلاف ليرة، وكيلو غرام لحم الغنم ما كان له أن يزيد عن التسعة آلاف ليرة، ولحم البقر بين الخمسة آلاف والستة آلاف ليرة.
كيف لنا إذاً أن نلامس هذه المفاهيم الزراعية الحيوانية الذكية والرقمية لنكون مواكبين لاستثمار الممكن، ونجسِر تلك الفجوة المعرفية ونحد من هذه القدرات الضائعة بلا جدوى ..؟
إنها مفاهيم علمية لا نزعم الإحاطة بها، ولا نمتلك أكثر من هذه الإشارة، فالأمر يحتاج إلى مختصين ومخلصين، وإلى من يتعمق في مخاطر هذه الفجوة المعرفية، مثلما ستفعل جمعية العلوم الاقتصادية بعد غدٍ الثلاثاء، حيث يقف الباحث عبد الرحمن قرنفلة هناك – وعلى الملأ – فوق حافة تلك الفجوة المعرفية الخطيرة.