اللغة والعاطفة والفكر في «سرب كمنجات»

الملحق الثقافي- د. وضحى أحمد يونس:

يعقد الشاعر مع اللغة علاقة عشق صوفي ما جعل منها لغة عميقة، ومتسعة، ومتعدّدة الدلالات حتى بدا الشاعر كائناً لغوياً يطارد المعاني ليقبض عليها بقيود فنية مبتكرة.ومن هنا غلب على لغته التجريد بمعنى إعلاء الفكر ليتوازى مع العاطفة أحياناً كثيرة ويربو عليها في أحيان أخرى حيث يحوّل الشاعر إحساسه إلى فكر، ويخلق من أمكنة مجموعته عالماً مجرّداً يبدأ ذلك من محدودية أمكنة الإنسان السوري وخاصة الشاعر فهي أمكنة عادية بسيطة ولذلك كنّى عنها بوصفه لها بـ(الفراغ الأنيق)؛ وبناء على ذلك فليس ثمة شيء يليق بامتلاء الفراغ الأنيق اكثر من امرأة ونبيذ معتق وسهر:
في الفراغ الأنيق /حيث العزلة دالية/ تعتّق نبيذها/ بانتباه شديد/ أقطف السه/
ولذلك ترى أن مجموعة أوس يحتلها مكون أساسي هو جسد المرأة ففي النصوص احتفاء بتضاريس جسد أنثوي غائب حاضر لتغدو المرأة الأنثى الإنسانة هي المعادل الموضوعي المنشود من قبل الشاعر ليملأ فراغ الأمكنة الذي هو في وجهه الآخر خواء الواقع والجسد الأنثوي هو المكان الوحيد الذي يُعوّل عليه حسب ابن عربي وهو جسد ممتلئ بالمفردات الخالدة والتي حولها الشعراء وأوس معهم إلى معجم للحياة كالنهود التي تذكر بصراحة، أو تُحوّل الى مجاز عبر كناية أو استعارة:
(يزهر قنديلاك ويخضرّ مائي) (تثب نحو الأعلى / كنهد باسل / يستمطر حفاوة كفيك / والمرأة هي الملاذ حين الهروب من الحروب وسفك الدم والأشلاء هي الوطن الآمن مانحة الحياة والسلام وفي المجموعة هي مانحة الخصوبة بوصفها وجوداً واستمراراً
ولذلك يقارب معاناتهن في أكثر من نص ومنها النص التالي:
العذراوات / الجميلات / أرامل الحرب / لوعتكن في الفقد / لا يعادلها سوى / السقوط المدوّي/ لضمير العالم /
وبعد أن يمتلئ الفراغ بالأنثى تتحول إلى خط يتوازى مع خط الكون فتكتشف أن المرأة التي ملكت عقل الشاعر وقلبه ما هي إلا دمشق ذات الجسد الأنثوي هي الأخرى؛ وتضاريسه هي قاسيون، والربوة، والقلعة، وبردى على ما يذكر الشاعر وهذه هي التضاريس التي يعشقها فيوحّد بعشقه لها بين المرأة والمدينة اللتين يحب:
كلّ أرق / أقطف التحية / من قاسيونها /
أواكب خبب ربوتها / أراقص خصر بردى / حدّ غروبه المهين / في الإسمنت / وعلى بعد قبلة / من قلعتها / أستيقظ مبتلا / بالحنين /
هذه هي دمشق القديمة التي يختلف حاضر تضاريسها عن ماضيه ولذلك فإن الحنين متولّد متوقّد ومتجدّد إلى ذلك الفردوس الذي تنازع الروح بين فقده ووجوده
وعندما يتم الاحتفاء باللغة على هذا النحو من التجريد العالي تغدو اللغة معرضاً للأساليب الشعرية المشحونة بالأفكار والاعتقادات:
لا توقظ الموتى / دعهم يحلمون / ما الآخرة / سوى متاع زائل
فما الحيلة مع عالم يندثر إلا قليلاً غير الكتابة، والغرق في المجاز؛ ومنه تشبيه الكتابة بالزراعة حيث لم يبتكر الشاعر التشبيه ولكنه ابتكر صياغته الخاصة له:
أن تجزّ صوف اللغة / عن جسد الحروف /
ما يُذكّر بفكرة البلاغيين الأثيرة؛ وهي اعتبار الشعر صنعة كصناعة النسيج لكن الصنعة هنا تسربت إلى داخل النص نصا بذاته فضلاً عن تشبيه الشعر بعمل آخر هو الزراعة و لكن هذه المرة ببذور الوضوح والغموض:
أن تحرث تربة الوضوح / بالمجاز اللائق / لا بدّ من شحذِ دائم / لسكّة المخيّلة
ولقد قاد التجريد الشاعر إلى فلسفة بسيطة طعّم بها تجربته الشعرية لتعانق المضمون العاطفي الطاغي على النصوص وتخففّ من غلوائه:
ثمة من يطيل / قامة الأمل / لتعلو / ظلال غربتنا / أكثر فأكثر /
ولأن لكل شيء إذا ما تمّ نقصان فإنّ المجموعة لم تبرأ من بعض العيوب ومنها تكرار النداء والتشبيه في المخاطبة الواحدة (تلك العصافير) (أيتها الأنوثة) (مثل عجوز ماكر) ولا مبرر ذلك لأنّ النمط المعتمد في المجموعة نمط لا يحتمل الشرح والإطالة والاستطراد وهو نمط الومضة القائمة أصلاً على الاختزال؛وغير ذلك كثير؛ ومن العيوب أيضاً وقوع الشاعر في فخ الجمل التفسيرية والشرح بينما التأويل هو مهمة القارئ ومتعته كما في النص التالي:
التشابه محض حديقة / تأويل خاطئ/ لأبجدية الظل/
فالنص فنيا يقف هنا لكن الشاعر يصرّ على التوضيح فيكمل قائلاً:
الحياة حق / وفن الاختلاف /
ما يترك في المجموعة ثغرة تفاوت القيمة الفنية بين نص وآخر مع إمكان تجنب ذلك.
لقد دفع الغضب العارم بالشاعر إلى قول كل شيء عن الهموم الثقافية والفكرية ما جعل نصوصه فريسة سهلة للمباشرة وانتقاء ألفاظ غير لائقة بسيرورة النص الشعري كتدوير الأفكار وتشبيه ذلك با(لمزبلة). هذا رغم استطاعته تصوير الهم الوطني ببلاغة يسيرة عليه كما في:
حين مات / بنزلة برد وطنية / كان علم البلاد ممزقاً / والهوية سلعة / تباع في المزاد العلني
إنها هِنات صغيرة في تجربة فذة تبلغ ذراها الجمالية بيسر كما في (حجل بسمالخ) و(لو أنها تتكلم) القصيدتين المهداتين إلى روحي الشهيدين (يامن سبأ) و(يزن سبأ) وهما القصيدتان التقليديتان في المجموعة وهما في تمجيد الشهادة والشهيد فمن الأولى:
لا تعجبوا من فارس / عشق الردى متحمّسا /فاختار أن يغدو مثالاً للورى
بل فاعجبوا من جاحد / نكص العهود تذمّرا و تكبرا
ومن الثانية وهي حكايات بسمالخ عن شهدائها:
لو أنها تتكلم / لروت لنا قصصاً / ملاحم عنكمُ / ولفاض من أنهارها / عطر السلافة أنتمُ 

العدد 1103- 19-7-2022

آخر الأخبار
الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان  نيوز ويك.. هل نقلت روسيا طائراتها النووية الاستراتيجية قرب ألاسكا؟       نهاية مأساة الركبان.. تفاعل واسع ورسائل  تعبّرعن بداية جديدة   تقدم دبلوماسي بملف الكيميائي.. ترحيب بريطاني ودعم دولي لتعاون دمشق لقاء "الشرع" مع عمة والده  بدرعا.. لحظة عفوية بلمسة إنسانية  باراك يبحث الملف السوري مع  ترامب وروبيو  مبعوث ترامب يرحب بفتوى منع الثأر في سوريا   إغلاق مخيم الركبان... نهاية مأساة إنسانية وبداية لمرحلة جديدة  أهالي درعا يستقبلون رئيس الجمهورية بالورود والترحيب السيد الرئيس أحمد الشرع يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك في قصر الشعب بدمشق بحضورٍ شعبيٍّ واسعٍ الرئيس الشرع يتبادل تهاني عيد الأضحى المبارك مع عدد من الأهالي والمسؤولين في قصر الشعب بدمشق 40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان