لم نستغرب على الإطلاق ما قاله جو بايدن بأن نظامه المارق لن يسمح لدول أخرى بملء ما سماه “الفراغ” في الشرق الأوسط، وتحديداً روسيا والصين، لأن ذلك من وجهة نظره القاصرة سياسياً، والمفلسة ميدانياً، والمتورمة استراتيجياً، وعلى حد تعبيره لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة و كيان الأباراتيد الإسرائيلي.
لم نتفاجأ، لأن ما أتى على ذكره بايدن لم يكن جديداً، وإنما يأتي تجسيداً لما يمتثل في العقلية الاستعمارية الأمريكية التي قامت أساساً على احتلال وتدمير الأوطان، وتهجير شعوبها، ومحاولة التحكم بقرارها ومصيرها، وهنا يتعمد الرئيس الأميركي تجاهل حقيقة مهمة بأن شعوب هذه المنطقة هم أسيادها وأصحابها، ولا أحد غيرهم، ولكن بايدن وفق منظوره الاستعماري لا يرى في هذه المنطقة سوى ثرواتها وخيراتها، وكيفية العمل على مواصلة نهبها والاستيلاء عليها.
ولكن مجرد أن يتفوه بايدن بهذا الكلام، فإن ذلك يعني أن الكاوبوي الأمريكي بدأ يتحسس رأسه، ويستشعر ضعفه، وهزالة وجوده على الساحة الشرق أوسطية، وضعف نفوذه وتأثيره الاستعماري الكانتوني، هو وربيبه الإسرائيلي على الخارطة العالمية.
مما لا شك فيه أنه يرى، ويسمع، ويتلمس كل هذا العجز الأمريكي، والوهن الإسرائيلي في مقابل التفوق الروسي والصيني النوعي، ليس على الصعيد السياسي، أو الاقتصادي، أو الدبلوماسي فحسب، وإنما أيضاً على صعيد المكانة المرموقة، والاحترام، والثقة التي تكنها شعوب المنطقة، والعالم لكل من موسكو وبكين، فكلا البلدين لم يقدما إلا السلام والأمان لكل الدول، ودائماً ما كانا سباقين لكل ما من شأنه تسوية الأزمات بالسبل السلمية، من دون أن ننسى نصرتهما للشعب الفلسطيني، ورفضهما الحرب الإرهابية على سورية، أو معارضتهما لتسييس ملف المساعدات الإنسانية، ولتزوير الحقائق على الأرض .
على بايدن أن يعي جيداً بأنه لا يوجد ما يسمى “الفراغ” في الشرق الأوسط على الإطلاق، وبأننا لم نكن، ولن نكون، باحة خلفية له، أو لغيره، وإن الفراغ الوحيد الموجود فهو في عقليته المريضة، وفي نشأة نظامه الأخلاقية والإنسانية.