(إن كل واحد منا يحمل داخله أنا آخر يكون في الوقت نفسه غريباً ومطابقاً لذاته)..
عبارة إدغار موران جعلتها تفكر في أي “أنا” رأت تماهياً معه.
تزداد حيرتها مع عبارة أخرى لـ(موران): “لكوننا نحمل داخلنا هذه الثنائية حين يكون الأنا هو الآخر فإننا نستطيع إقحام الآخر وإدماجه في الأنا الذي يخصّنا”..
الأنا هو الآخر أو الآخر هو الأنا..
وعلى هذا الأساس بدأت سلسلة مراسلاتها وإياه..
على أساس أنه تلك الأنا التي نبدأ حواراً معها ولا نرغب بطيّه.. أو إغلاقه.
ماذا تفعل بجنون استرسالها.. وأفكارها التي تتواصل كحبلٍ لا ينقطع تريد بثّها إليه..
يبدو أنه فعلاً هو تلك “الأنا” التي تحدث عنها (موران)..
تفصيل وحيد لكن أساسي، جعلها تدرك أنها لاشعورياً كانت تسير وفق استنتاجات إدغار موران وكذلك حنا أرندت حين تحدّثت عن الاختلاء، الذي فسّرته، أي أرندت، على أنه حين يكون أي منا في حالة انفراد فإنه لا يكون وحيداً بل برفقة آخر أي ذاته..
بمعنى يكون المرء حينها مطبّقاً تعبير أرندت “اثنان في واحد”..
المرء وذاته هو “اثنان في واحد”..
والأنا هو الآخر.. وبتعبير بول ريكور (الأنا عينها كآخر)..
ما فعلتْه أنها خلطتْ كل تلك الكلمات.. صنعت مزيجها الخاص من (الآخر)، (الأنا)، (ذات)، (عين)، (واحد)..
لتجد أنه يتماهى مع أي منها بنسبة غير محددة.. دون أي تطابق.. ولطالما فضّلت حال التماهي على التطابق المنفّر..
هو الآخر وجزء ذاتها المفضّل..
ولهذا كانت مراسلاتها تأتي على سبيل كونها اعترافات..
اعترافاتها كانت نقشاً أزلياً على أديم روحها..
اعترافات جعلته راسخاً في ذاكرتها ووعيها وكل حضورها.. فاعتبرتها جسراً إلى كل كيانه (الآخر/الأنا)..
وكلما غرست أي من اعترافاتها وحالات بوحها وصولاً إليه اعتقدت أنها تلازم ذاته الأجمل أو أناه الأبهى.
لربما كان خطوة نحو تجلي ذاتها الأحلى بحضوره..
أن تتجلى الذاتان معاً.. هي وهو.. هما الاثنان.. الأنا والأنا.