الثورة – حمص – سلوى إسماعيل الديب:
لأننا شعب طالما أنجب الأبطال على مرّ التاريخ ليس غريباً أن نرى نموذجاً كضيفنا القاضي العقاري “محمد جميل شحود” الشهيد الحي الذي تعرض للقنص عدة مرات دون أن يثنيه ذلك عن مهمته في حفظ ممتلكات الناس من سجلات عقارية، قدم ولديه فداء لتراب الوطن النقيب “عدي” والملازم أول “بشار” ولم يتوانَ أو يتردد لحظة في أداء واجبه الأخلاقي والوطني تجاه الوطن، ليسطر ملحمة جديدة من ملاحم بطولات شعبنا البطل، علماً أن “شحود” تسلم إدارة المصالح العقارية سابقاً مدة 13 عاماً، وكان رئيساً للسجل العقاري مدة 10 سنوات.
التقت الثورة معه ليروي لنا رحلة بطولته وتضحيته، قائلاً:
في شهر شباط من عام 2012 اشتدت الأحداث فأغلّقت مدينة حمص، وأصبح من المستحيل الولوج إليها، والوصول إلى مركز المدينة حيث المصالح العقارية في حي باب هود، في وقت هجرت مديرية المصالح العقارية للمعهد الفندقي السياحي، حيث كان يتم تجميع العاملين بعد انقطاع دام شهرين عن العمل، فشغلني كمدير للمصالح العقارية، ضرورة المحافظة على مصالح الناس وأملاكهم وإحضار الوثائق من مركز المدينة، واعتبرتها أمانة برقبتي، وراودني سؤال: كيف يحارب الجندي ويدافع عن الوطن ونحن لم نستطع صون ممتلكاته؟
اعتبرت جبهتي هي عملي، في الوقت الذي لا يستطيع أحد إلزامي بالذهاب لوسط المدينة لإحضار الوثائق، وأنا الأعزل من أي سلاح، إلا ضميري وأخلاقي وواجبي المهني..
نزل الخبر كالصاعقة على عائلتي عندما قررت الذهاب لإخراج السجلات، لكن إيماني العميق أنا وعائلتي بالقضاء والقدر دفعهم للقبول، فأخبرت الأشخاص المقربين مني الذين كنت أقلهم معي إلى مقر عملنا سابقاً قبل الحرب، على طريق قريتي “الكنيسة”، فقالوا: نحن معك، هم: ثائر اليوسف ويحيى حمود من الضيعة المجاورة، وعلي عمرا، ليسألوني ما هي خطتي؟ فطلبت إمهالي يومين حتى أعد الخطة، وصادف قدوم ولدي الشهيد النقيب عدي بإجازة للقرية، فطلبت منه مرافقتي ليوصي من يعرف من زملائه الضباط على الحواجز لمساعدتي بعد التعريف عن نفسي، حتى وصلنا لآخر حاجز أمني عند مديرية تربية حمص، والمركز الثقافي، وقد سهل الجيش تنقلنا، دون تحمل مسؤولية حمايتي في مرمى المسلحين، فكنت أتنقل في شوارع الدبلان الفرعية هرباً من قناصة المسلحين.
حضرت في اليوم الثاني برفقة المجموعة التي عقدت العزم على مرافقتي، حيث توجهنا سيراً على الأقدام، ولكن المنطقة بين مجلس المدينة والمصالح العقارية خطرة ومقنوصة، حيث زودني الجيش بمعلومات عن مناطق الخطر، وأنه علينا العبور بسرعة وبشكل جماعي، وإلا تعرضنا للقنص، وهكذا جرى، فسمعنا أزيز الرصاص يلاحقنا، وعند وصولنا لباب المصالح العقارية وجدنا حواجز للجيش في المنطقة، فطلبنا حمايتهم من الخارج ونحن نخرج السجلات، وكنت وضعت سيارتي بجانب البلازا، قرب أحد حواجز الجيش، فحملت أنا والمجموعة بين 40 حتى 80 مصنف، على أكتافنا وأرواحنا على أكفنا والرصاص يلاحقنا، وكذلك الأمر في اليوم الثاني حيث أخرجنا ما يتراوح بين 300و400 مصنف وسجل على أكتافنا، فوصل الخبر لمسامع العميد “صائب داود”، فحاول منعي حفاظاً على حياتي، وتحت إلحاحي طلب من قائد الشرطة تزويدنا بمصفحة، برغم كثرة الثقوب بها إلا أنها كانت أكثر أماناً من السير على الأقدام حيث ساعدتنا فكانت تحمل 800 سجل، فأصبح عدد الموظفين يتزايد في المعهد السياحي، ولعلمي بخطورة المهمة كان الذهاب طوعياً، حيث استمرينا بعملنا حتى أخرجنا كافة السجلات العقارية، فتكرر ذهابنا حوالي 30 مرة، وكل مرة أكون أكثر سعادة وعزيمة من سابقتها ومن المعوقات كانت النوافذ المكشوفة على القناصة على الدرج فكنا نضطر للزحف على الدرج، حاملين السجلات، ومن المعروف أن لكل عقار هويتين هوية حقوقية وهوية عقارية وهي الصحيفة العقارية أي مخططات مساحية منذ عام 1903 وتحتاج خبرة لنقلها، وكي لا نتلفها. وهنا أحضرت “جهاد الأتاسي” من المساحة، ليساعدنا بالحفاظ على السجلات دون إتلافها وكان ذلك، ثم أعطينا مقراً في الاتحاد التعاوني السكني أمام الجامعة لمتابعة عملنا في خدمة الناس، و بعد ثلاثة أشهر قامت القنوات المغرضة باتهام الجيش السوري بإحراق السجلات فجاءت، وسائل الإعلام الوطنية للتصوير، وتوثق كيف نعمل على ضوء القداحة والموبايل ليظهر كذبهم وافتراءاتهم.
وأخيراً: لو أردنا سرد جميع التفاصيل لاحتجنا إلى العديد من الصفحات.
كما لا نستطيع إلا أن نذكر بأن القاضي شحود إضافة لما سبق قام بإنقاذ السجلات في كل من القصير والقريتين وتدمر باحترافية وحكمة عالية وقد كرم من وثيقة وطن مرتين..
هنيئاً للقاضي محمد شحود هذا النبل وهنيئاً لنا به كسوريين وبأمثاله.