د. مازن سليم خضور:
غناءٌ وصراخٌ وصولاً إلى الإغماءات.. تقليدٌ بالشكل وصولاً إلى إجراء العمليات.. أمور شكلت تساؤلاً خطيراً حول تفاقم ظاهرة قديمة متنامية وهي الهوس بالنجوم والانتقال إلى حب مرضي يؤدي بصاحبه إلى تصرفات غريبة، فهل يعتبر هذا الشيء أمراً طبيعياً؟
هذه الظاهرة التي تأخذ أبعاداً مختلفة إلى حدٍ ما في المجتمعات العربية بشكل عام والسوري بشكل خاص وهي “الهوس بالمشاهير والنجوم” ويكون من خلال المتابعة ومعرفة أدق التفاصيل سواء في الحياة العملية أو الحياة الشخصية بشكلٍ يسميه علماء النفس “الهوس بالمشاهير”وقد حاول بعض العلماء تفسير سر هذا الجنون بالنجوم وحياتهم لا سيما أن هذا الهوس يصيب العديد من الأبناء سواء الفتيات منهم أو الفتيان على حدٍ سواء وهو عبارة عن متابعة مكثّفة ومرضية لكلّ أخبار الشخصية المفضّلة عندهم، إن كان على المواقع الإخبارية الإلكترونية أو على مواقع التواصل الاجتماعية، بالإضافة إلى المشاركة في حفلاتها والنشاطات التي تنظّمها.
لم يشتهر هذا المصطلح ” الهوس بالنجوم” إلا في عام ” ٢٠٠٣” حيث أن أول من تحدث عنها الكاتب “جيمس شابمان” وهذا لا يعني أن الهوس بالنجوم والفنانين ظاهرة جديدة ومستحدثة بل هي متواجدة في المجتمعات وقديمة حتى في مجتمعاتنا فالرواية تقول إن أحد المعجبين المهووسين بكوكب الشرق أم كلثوم صعد المسرح في محاولة منه لتقبيل قدمها ما تسبب بسقوط الراحلة وقيل أن هذا سبب الإحراج لها وهذه الحادثة على سبيل الذكر لا الحصر والحوادث كثيرة. ويشكل هذا الهوس خطورة على النجوم حيث أن بعض المهووسين قد يعبّرون عن حبهم للفنان بطريقة مؤذية وغير طبيعية.
وفي دراسة مجرية نشرت في مجلة BMC Psychology العلمية، وجدت ارتباطاً مباشراً بين هوس المشاهير وهو ما سمته “عبادة المشاهير” والأداء الضعيف في الاختبارات المعرفية، وذلك بعد إجراء دراسة استقصائية على 1763 بالغاً.
وافترضت الدراسة التي أجريت في العام ٢٠٢٢ أن السبب الرئيسي لهذا الهوس يعود إلى قدرات معرفية وعقلية أقل لدى مجانين المشاهير من غيرهم، بشكل أبسط هذا يعني أنهم أقل ذكاءً و هذا البحث لم يدفع الباحثون إلى الإقرار الكلي أن الهوس بثقافة المشاهير سبب أو نتيجة لضعف القدرات المعرفية.
الهوس بالنجوم هو جزء من حالة الهوس بشكل عام والذي هو حالة من الانفعال أو ارتفاع المزاج بشكل غير طبيعي، والإثارة، أو مستويات الطاقة وتختلف درجته من شخص لآخر في الشدة والدرجة وأيضاً من حيث الأعراض التي تظهر في سلوك الفرد ومن خلال أفكاره ومعتقداته ومنها تشتت الأفكار وسطحية التفكير وأيضاً الحركة الواردة التي تكون غالباً دون نتائج إيجابية وكذلك الإجهاد النفسي لكن الهوس يرتبط أحيانًا بالإبداع والمواهب الفنية، فليس هو الحال دائمًا أن الهوس يكون مرضيًا.
الهوس بالمشاهير صُنّف كمرض نفسي واضطراب سلوكي يحتاج لتدخّل علاجي ويتطلّب العمل للحد من تفاقم هذه الظاهرة ومعالجتها، تجنباً للعواقب الجسيمة التي قد تلحق الضرر بصاحبها.
وللتوضيح هناك فرق بين مهووسي النجوم والمشاهير وبين مصوري صحافة المشاهير أو ” باباراتزي “الذين يلاحقون المشاهير من مكان لآخر بُغية الحصول على بعض الصور لبيعها لوكالات الأخبار والمواقع والمدونات والمجلات المهتمة بهذا الأمر بأرقام عالية.
للهوس أسباب كثيرة منها الوراثة والعوامل النفسية والبيولوجية والاجتماعية وحتى الكيميائية وكذلك هوس النجوم كل هذا يقود نحو سؤال لماذا يذهب البعض إلى معرفة تفاصيل نجمهم من جهة ومن جهة ثانية إلى تقليده وهنا نرى أن الأسباب متنوعة بل وعديدة ومنها :
*الفضول لمعرفة الأخبار إذ يشبه بعض علماء النفس معرفة أخبار المشاهير بمعرفة أخبار الجيران ومشاكلهم، لكن الفرق أن أخبار المشاهير أحادية، إذ نعرف أخبارهم ولا يعرفون أخبارنا، عكس أخبار الجيران والمعارف.
*انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، باتت صور المشاهير موجودة في كل مكان وزمان، و يسعى الأبناء إلى تقليد أدق تفاصيلها وفي ظل التطور والتقدم التكنولوجي واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كثيف، زالت الفجوة بين الجمهور والمشاهير، وتفاقمت ظاهرة الهوس بالمشاهير نظراً لسهولة قراءة حياة النجوم ومتابعتهم.
*أسباب نفسية واجتماعية وما نراه في بعض الحالات من صور ومظاهر خارجية للأشخاص هي تعبير عن حياة مزيّفة لسد النقص في حياة وسلوك بعض الأشخاص الذين يقومون بمتابعة المشاهير وتقليدهم في أدق تفاصيل حياتهم، وذلك لضعف شخصية المهووس، وافتقاره للثقة بالذات كذلك من العوامل التي تساعد على تفاقم هذا المرض، البيئة السلبية التي يعيش فيها المهووس متأثراً بالوالدين إما لمتابعتهما لأخبار المشاهير ونمط حياتهم، أو لناحية إهمال أطفالهم وبالتالي هؤلاء الأشخاص يبحثون عن القدوة في حياتهم وليس أسهل من تكون هذه القدوة النجوم الذين يظهرون بكل ما هو مثالي من خلال حياتهم وصورهم وحتى لقاءاتهم الإعلامية فيظهرون بالشكل المثالي ويصبح لكل منهم ما يعرف ب” الفانزات” وهو ما يتطور إلى حد الهوس!
فالبعض يعتقد أن الشخصية المشهورة تعيش الحياة التي يرغب هو بها وهي خالية من المشاكل، وتعمّ فيها السعادة كما يظهر جلياً من خلال الصور والفيديوهات فبتنا نسمع ونقرأ عن حالات كثيرة في العالم أجرت عدداً من العمليات الجراحية والتجميلية من أجل أن تتشبه بممثل ما أو لاعب كرة قدم شهير أو أحد الشخصيات المعروفة وتحاول تقليدهم حتى في صلاتهم الشخصية وحركاتهم!
*المشاهير أنفسهم إذ يتبع مشاهير هذه الأيام طرقاً ذكية ويستشيرون أمهر شركات التسويق فقط ليصبحوا حديث الناس، خصوصاً حينما تنتشر بعض التفاصيل عن حياتهم أو مشاكلهم وربما فضائحهم وتفسير ذلك في علم النفس أن نشر مثل تلك الأمور على الرأي العام والجماهير، هي محاولة للفت الانتباه بأي وسيلة والبحث عن العاطفة المفقودة، وإشراك الغير في أمور شخصية بحتة كان من الأفضل ألا يتم نشرها للعامة بالإضافة إلى الرغبة في الشهرة أكثر ويساهم الإعلام بمختلف أنواعه ومجالاته، في هذا عن طريق سرد روايات المشاهير وأخبارهم بشكل متكرر وعلى وسائل مختلفة والبعض من أجل زيادة نسبة المشاهدات والمتابعات فيما البعض كانت أخبار المشاهير الخاصة أو الكاذبة هدفه وهو ما كان يعرف ” الصحافة الصفراء”.
*الشخص ذاته الذي يلاحق المشهور قد يكون لديه رغبة في الشهرة عن طريق لفت الانتباه وجذب الآخرين للحديث عنه وقد يكون ذلك بسبب التأثر بمشكلاته و عدم النضوج و قلة الوعي والتوعية.
بعد الحديث عن هذه الظاهرة يمكن القول إن هذه الظاهرة هي مركبة لها عناصر هي النجوم من جهة ومحبيهم من جهة أخرى ويجب الاعتماد على النجوم في استثمار نجوميتهم بالأمور الإيجابية ويجب توعية الأفراد أن هؤلاء النجوم هم أشخاص كونوا أنفسهم وأصبحوا محط اهتمام بسبب إنجازات قاموا بها يجب الاقتداء بهم وتكوين شخصيات مستقلة عنهم ليكونوا في المستقبل القريب أيضاً هم نجوم في ميادين مختلفة بالإضافة إلى ضرورة وضع وسائل الإعلام بكل مكوناتها أمام مسؤولياتها في هذا الموضوع والمواضيع الأخرى.