الثورة – أديب مخزوم:
معرض الفنانة التشكيلية حياة صقر في صالة مشوار في دمشق ـ قصور، تضمن مجموعة لوحات بقياسات مختلفة مشغولة بالخيوط الملونة على الكانفاس أو الخيش، المُطَّعم في أحيان كثيرة، بلمسات لونية في بعض جوانبه، في حين تستفيد في الجوانب الأخرى من نسيج الخيش الخام (ألوانه الحقيقية وخشونة ملمسه) في صياغة لوحاتها المتطرفة في عفويتها وحداثتها وفطريتها.
ففي أعمالها تبحث عن مناخات جديدة للفن النسيجي، تعيد الاعتبار للاتجاهات التعبيرية الفطرية، وهذا هو الشيء الهام في معرضها.
إنها لوحات لإثارة الأسئلة، ولإزالة الالتباسات والإشكاليات، لأن الارتجال الذي نجده في حالات الرسم والتشكيل بالخيوط الملونة، على مساحات الكانفاس، يبعدنا مسافات عن الإشارات الواقعية المباشرة، ويدخلنا في جوهر الحالة التعبيرية والرمزية والوجدانية والطفولية، والتي تعمل من خلالها لإبراز الصورة المتداخلة بين الوجوه والطيور وغيرها، وبين التشكيلات النسيجية، وهي في ذلك تستعيد تخيلاتها، وعناصر طفولتها الضائعة بصدق مطلق، بعيد كل البعد عن مظاهر التصنع والتكلف.
ففي مجمل لوحاتها لا تعتمد الشكل الطبيعي أو الواقعي، بل تستبدل ذلك كله بالأثر الذي يعبِّر عن مغامرتها التشكيلية، حتى إنها في كلمتها، المنشورة على بطاقة المعرض، تتحدث عن مغامرة تشكيلية تخوضها، كل ذلك بحس فطري، لايترك أي أثر للعمل النسيجي التقليدي أو الحرفي.
وهذه الإشارات المجسدة في لوحاتها بحس طفولي وفطري، وبصدق ومحبة وثقة، تمثل عودة إلى منطلقات الفنون الحديثة، وما فيها من إشارات ورموز وأسلبة شكلية وتقنية واختبارات ومغامرات فنية.
وعلى هذا الأساس فهي ترتبط بإيقاعات تشكيلية حديثة، حين تذهب إلى مثل هذا التبسيط والتحوير والحرية، في خطوات التعبير المختلفة عبر ملامح الوجوه وتعابير العيون، فتحول مساحة اللوحة إلى فسحة للتشكيل الحر، مهتمة باستقلاليتها وبما يجري داخل مساحتها من تعابير وجدانية عميقة.
فهي تغامر في تقديم اجواء تقنية وتشكيلية غير مألوفة وغير مستهلكة، وتبدو الوجوه والأشكال الإنسانية وغيرها والتي تجسدها، بتقنيتها النسيجية، وكأنها جزء من الواقع الشرقي بفلكلوره وروحانيته وعلى هذا فهي تعتمد التشكيلات التي تمتد إلى أصول تراثية، وتعتمد أحياناً حركات خطية شاقولية وأفقية وحركات حلزونية وأسلوباً تلميحياً وتبسيطياً للوجوه والأشكال.
هكذا تذهب حياة صقر في لوحاتها النسيجية، إلى اكتشاف نظام لوني مغاير فيه حركة الأشكال، بل وتذهب قبل أي شيء آخر إلى سبر أغوار ذاتها وحبها المطلق لعملها.
ولعل هذا الإيقاع أو تلك الرغبة البادية في ابتداع تكوينات جديدة خاصة بها وحدها، تتهافت بعفوية وبحرية وبمغامرة كاملة.
وعلى الصعيد التشكيلي، اعتمدت في لوحاتها النسيجية ( وربما عن غير قصد ) أسلوب العمل الفني المتجاوب مع الفن الحركي، لأنها تركت في اللوحة مجموعة من الخيوط الصوفية المتهدلة أو الحرة، والتي يمكن أن تتحرك، وبذلك يتبدل وضع بعض العناصر البصرية، وتتبدل الألوان وفق حركة تموجات الخيوط والأضواء في الفراغ المحيط باللوحة، وتلك التبدلات اللونية والضوئية تتناغم وتتحاور مع الطبيعة اللونية المضافة على الكانفاس، الشيء الذي يجعلنا نتذكر نوافذ الفن المتحرك، كما أن جذور الفن النسيجي الحديث، تعود إلى منتصف أربعينات القرن الماضي، وقد أطلقه الفنان الفرنسي (جان لورسا) الذي يعتبر واحداً من رواد ظهور النهضة التشكيلية، في الفن النسيجي الحديث والمعاصر ، مع علمنا المسبق أنها تختلف عنه اختلافا كلياً، فهو في أعماله ظل محافظاً على شكل السجاد أو البسط، أما حياة صقر فهي تغامر في خطواتها، القادمة من تجربة عملها في تصميم الأزياء والديكور المسرحي. ومن جهة أخرى لوحاتها النسيجية توحي باستمرارية الحياة، رغم كل المعوقات والمنغصات ( على اعتبار إن الوجوه المرسومة في أعمالها، تتفاوت في تعابيرها بين الحزن والفرح، حتى إن بعض الوجوه بتعابير عيونها، تبدو كأنها مفجوعة وقادمة من الأماكن المدمرة بزلازل الحروب الراهنة ).