الثورة – تحليل ريم صالح:
عندما ندرك تماماً بأن كل ما تقوم به الإدارة الأمريكية، وما يصدر عنها، وعن مسؤوليها من تصريحات، أو قرارات، وما تتخذه من خطوات وإجراءات استفزازية، كزيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي الأخيرة إلى تايوان على سبيل الذكر، لم يكن بيوم من الأيام عبثياً، أو محض الصدفة المطلقة، وإنما كان تجسيداً لسياستين لا ثالث لهما، فإما سياسة الغموض الاستراتيجي، وإما سياسة حافة الهاوية، عندها فقط نستطيع أن نفهم كل ما يدور في عقلية النظام الأمريكي من تعمد لافتعال حروب وأزمات، وتلفيق تهم باطلة.
والواضح لنا جميعاً أن النظام الأمريكي يصر حتى اللحظة على التأرجح على حبال الإفك السياسي، والدبلوماسي، والإعلامي، فالبنتاغون والبيت الأبيض حسب مزاعمهما كانا قد عارضا زيارة بيلوسي الأمر الذي فندته تطورات الأحداث على الأرض.
البعض اعتقد أن زيارة بيلوسي إلى تايوان، قد تشعل فتيل حرب عالمية ثالثة، وأننا قاب قوسين أو أدنى من حرب مدمرة ستأكل الأخضر واليابس، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار بأن الولايات المتحدة لطالما أعطت الغلبة لطبول الحرب، وانحازت بالمطلق لسفك الدماء وإزهاق الأرواح على حساب السلام والأمان والاستقرار، عقيدتها كانت عقيدة موت، لا عقيدة حياة.
ولأنه في السياسة لا يوجد شي مجاني، فيمكننا أن نقول إن بيلوسي بزيارتها إلى تايوان، أرادت أن تعيد الأضواء إلى إمبراطورية بلادها المتلاشية، لاسيما بعد أن بهت لونها، وانعدم تأثيرها، ونفوذها أوروبياً، وشرق أوسطياً، وعالمياً، لتقول لخصومها نحن هنا.. ما زلنا قيد التأثير.. ولن ندعكم وشأنكم.. وسنبقى نحاول تمرير أجنداتنا الاستعمارية مهما كلف الأمر.
إذاً زيارة بيلوسي إلى تايوان لم تكن زيارة عفوية، أو تعبيراً عن الصداقة والسلام كما ادعت، وإنما وراء الأكمة ما وراءها، فهي تحاول بشكل أو بآخر قبل انتهاء فترة رئاستها لمجلس النواب أن تضع بصمة لها، ولحزبها الديمقراطي وتسعى بالتالي إلى إنجاز يخلدها في ذاكرة الأمريكيين ولو كان افتعال حرب تحصد أرواح الملايين.
ولعل ما يحسم الجدل هنا، ويوضح المشهد أكثر، هو ما قالته بيلوسي وهي في سيؤول، عندما تحدثت عن ضرورة نزع السلاح النووي، وعن مخاوفها من التهديد المتزايد من كوريا الديمقراطية، على حد تعبيرها.
أرادت المسؤولة الأمريكية إذن من خلال جولتها هذه أن تستكمل ما قطعته إدارة بلادها من أشواط في مجال التخريب، وإثارة الفتن والقلاقل، والتحريض للبدء بحروب كارثية بين الصين وتايوان، وبين كوريا الديمقراطية وكوريا الجنوبية، لتكون واشنطن هي بيت الداء والابتلاء، ولتستثمر ما أمكن عسكرياً، وتسليحياً، ومالياً في هذه الحروب التي تدق عن سابق إصرار وترصد طبولها.