الثورة – أديب مخزوم:
تطرح الفنانة الشابة آيات الزعبي في معرضها بغاليري مصطفى علي، جمالية التفاعل مع إيقاعات العمارة الدمشقية القديمة المعرضة لمخاطر الاندثار والزوال، فأعمالها (المنجزة في غالبيتها بالكولاج ـ أقمشة ملونة وورق مجلات وصحف) والمستوحاة من علاقتها المباشرة وغير المباشرة مع البقية الباقية من جمالية آثار المدينة، أرادت من خلالها توجيه تحية إلى الجمالية الهندسية المترسخة في البنى المعمارية القديمة، الباقية في مشاهدات القناطر والأقواس والأزقة والأحياء والجدران وغيرها من معالم المدينة القديمة.
فلوحاتها المتنوعة التي تعرضها (خمس وثلاثون لوحة كولاج، وخمس لوحات أنجزتها بتدرجات لون الحبر الرمادي) بعد جولاتها المتواصلة بين أحياء المدينة القديمة، فيها ملامح من مؤشرات التفاعل مع هذا الحلم الشرقي، الذي لا يزال رغم سجل الغربة التي نعيشها حياً في نفوسنا وذاكرتنا.
وهي على الصعيد التشكيلي تنحاز في معرضها بشكل واضح نحو التبسيط والاختصار والتجريد، لإبراز إشارات المشهد عبر المساحات المسطحة المتجاورة والمتداخلة، والتي تبحث من خلالها عن خصوصية فنية وتشكيلية مميزة.
فهي تبحث عن مناخات جديدة للوحة المشهد المعماري ( وهذا هو الشيء الهام في معرضها ) حيث تصوغه بقالب تشكيلي حديث يزاوج ما بين إشارات الواقع ( المستمد من انطباعات الذاكرة أو من الجلسة المباشرة ) وتكاوين المنطلقات التعبيرية والتجريدية في أبجديتها الهندسية (في تكاوين الأقواس والمربعات والمستطيلات والزوايا القائمة والحادة والخطوط الشاقولية والأفقية والمائلة ).
هكذا تظهر تنويعات الأشكال المعمارية كمساحات لونية ( تستفيد من لون القطع النسيجية الملصقة، من دون استخدام لأي ألوان بطرق تقليدية) كعناصر متجاورة ومتتابعة تبحث عن تشكيلات هندسية بعيدة كل البعد عن المنهج التزييني البصري الذي يتقيد بالتفاصيل وبصورية الشكل وواقعيته التسجيلية.
وهذا يعني أن آيات الزعبي تبدو أكثر اتجاهاً نحو البحث عن إيقاعات جمالية حديثة تنحو إلى هندسة تشكيلية بارزة تصل بالمشهد المعماري إلى انفلاتات خيالية مفتوحة على جمالية عصرية لتنويعات الأقواس المتداخلة في عمارة دمشق القديمة.
وهذا الانتماء إلى ملامح المناخ المعماري الدمشقي، يحتفظ بروح التراث المحلي رغم ذلك الكسر الذي يبعد المشهد عن المشهد الذي يوحي بالمرجع الواقعي التسجيلي، فالمهم بالنسبة إليها أنها تستعيد إشارات المشهد المعماري المحلي بالارتداد إلى بحثها التقني، لتخرجه من حيز صمته ولتجدده أو تستنطقه من خلال المساحات القماشية والورقية المتتابعة التي يغلب عليها التسطيح، وبالتالي لتنسج علاقة مزدوجة بين العفوية التشكيلية والملامح الهندسية المعمارية.
ولقد بقيت أحلام مدينة دمشق القديمة مترسخة في ذاكرتها وظاهرة في لوحاتها حتى في أقصى حالات التجريد، حيث استعادت أجواء الحارات والبيوت الشعبي، في مجمل لوحات معرضها، ففي تحولاتها وتنقلاتها بين التصريح والتلميح تنتمي إلى مدينة تاريخية عريقة موغلة في القدم، ولقد أصرت على أن يكون معرضها في صالة بمدينة دمشق القديمة، حتى يكتمل مشهد عشقها المتجدد للمدينة القديمة الباقية في القلب والوجدان كبصمة لاتغيب.
كما أن لوحاتها التجريدية المرتبطة بالمدينة القديمة تؤكد حريتها وقدرة استيعابها لجماليات اللوحة الحديثة البعيدة كل البعد عن جماليات الذوق العام، وغير الخاضعة لتوجهات السوق الاستهلاكي التجاري.
ولوحاتها لا تعكس فقط رغبات التأصيل والتحديث وانما الرغبة باستعادة الحكايات الحميمية لعوالم الحلم المعماري الشرقي الحي والمترسخ في الذاكرة. ولهذا استعادت ملامح كثيرة من مؤشرات التفاعل مع هذا الحلم المستمر في مشاهدات القناطر والاقواس والقباب لإعادة الاعتبار للأنماط والاتجاهات التي أعطت للعمارة الدمشقية طابعها الخاص والمميز.
وعلى هذا شكًّل معرضها مبادرة ثقافية على صعيد تسليط أضواء على بعض الركائز التي كونت التراث المعماري الدمشقي بشكل خاص. وهذا الانطباع الإيجابي منحنا إياه بتفاؤل المعرض الذي يحمل في بعض جوانبه مغامرة تشكيلية ونفحة طفولي.
والحلم المعماري الذي أطلقته، استقبله جمهور الفنانين والمتابعين بمزيد من الألفة والمحبة. الوصول من خلالها إلى آفاق جديدة ومغايرة للوحة العمارة القديمة المألوفة والمطروحة والمستهلكة.، وعلى هذه الخلفية التراثية تبلورت أفكارها وهواجسها وأختباراتها، في محيط أصبح يعيش على وتيرة وتوجهات البرمجة المسبقة المحفوظة في ذاكرة العقول الإلكترونية.
آيات الزعبي مواليد دمشق 1998، خريجة محترفات كلية الجميلة (قسم الرسم والتصوير) جامعة دمشق 2020 ـ 2021، مشاركة في العديد من المعارض الفنية المشتركة، وفي العديد من الورشات والملتقيات الفنية، حائزة على جائزة المرتبة الثانية في مسابقة البورتريه لإعادة التدوير.