ثورة أون لاين – أمين حطيط
بعد أن كسرت سورية -محتضنة بمحور المقاومة الهجوم- العدوان عليها وتمكنت بعد سنة قاسية من المواجهة ان ترسي معادلة غير قابلة للتغيير او التعديل مفادها ان سورية ثابتة في موقعها الاستراتيجي وان العدوان الى انحسار وتآكل,
بعد هذا الإنجاز المركب ميدانيا وسياسيا تحولت أميركا كما بات واضحا الى تغيير طبيعة الحرب واهدافها فانتقلت الى اعتماد «حرب الاستنزاف» التي ليس من شأنها تحقيق شيء مما اخفقت الحرب الاساسية عنه, بل تتجه الى اهداف جديدة تتمثل بامرين اساسين اثنين الاول حجب هزيمة العدوان في حربه الكونية الاساسية وتمكين القوى المعتدية من التراجع الآمن من المسرح بحيث لا تتفاقم الخسارة بعد التراجع, والثاني اجراء ضغوط متواصلة على الجانب المدافع المنتصر والمتمثل في محور المقاومة من اجل الحصول منه على التنازلات التي تخفف من حجم الخسارة الاساسية.
لكن اميركا تعلم جيدا ان لحرب الاستنزاف مستلزماتها التي لا بد منها اولا لادامتها واستمرارها خلال الوقت المحدد لها, ثانيا من اجل احداث ما يتوخى منه من ضغوط. وانطلاقا من هذا اليقين وعطفا على واقع الميدان يبدو ان اميركا باتت مقتنعة بان ما تريده من حرب الاستنزاف غير ممكن الحصول بالنظر الى واقع الحال ومجريات الميدان وفقا للمعطيات الراهنة القائمة حاليا, اذ ان قدرات الادوات المسلحة من الجماعات التكفيرية تراجعت او تآكلت على صعد ثلاثة:
الاول على صعيد المواجهة مع الجيش العربي السوري والقوات الرديفة, حيث فقدت الكثير من مواقعها الاساسية وكانت الخسارة الفاجعة استراتيجيا وميدانيا متمثلة بخسارة الجبهة الغربية اي الحدود مع لبنان بشكل افقدها اهم واخطر قاعدة تموين وتجهيز وتحشيد نظرا لخطوط الامداد القصيرة وقدرة هذه الجبهة على التأثير العميق على جبهة القلب والوسط حيث الثقل النوعي الاستراتيجي للدولة اي دمشق وريفها التي باتت مسألة تنظيفها وتطهيرها مسألة وقت ليس اكثر.
اما الثاني فكان على صعيد العلاقات البينية داخل الجماعات المسلحة ذاتها حيث انها شهدت منذ سنة تقريبا توترا فاحتكاكا فانفجارا وتناحرا ادى الى شهر العداء بين هذا التنظيم او ذاك كما هو الحال بين جبهة النصرة وتنظيم داعش اي تنظيم ما يسمى دولة اسلامية في العراق والشام, حيث كان صراعاً على النفط وعلى مغانم الحرب وعلى النساء وصولا الى تكفير احدهما الآخر وقتل احدهما لعناصر الآخر وقيادته الى الحد الذي تنقل مصادر شبه محايدة ان حصاد قتال التناحر بين المسلحين والجماعات الارهابية فيما بينها تعدى ال 10 آلاف قتيل منهم 400 مما يسمى قادة او امراء لدى هذا التظيم او ذاك.
اما الثالث فيتمثل بـ «يقظة او صحوة او وعي او خوف « لدى بعض الدول ال 83 التي منها جاء الارهابيون المسلحون الى سورية وبدء تلك الدول بالتضييق على حركة هؤلاء ومنعهم من السفر ما ادى الى تراجع الدفق الارهابي الخارجي المتجه الى سورية فعلى سبيل المثال نجد ان تونس وحدها منعت 5 آلاف شخص من التوجه الى الميدان السوري فضلا عن دول اخرى عربية او غير عربية حذت حذوها لاسباب مختلفة وان الاردن قصفت سيارات المسلحين لدى عودتهم الى مناطق الاستراحة والتدريب القائمة على اراضيها بإدارة اميركية خليجية اسرائيلية. وقد ادت هذه التدابير من هنا وهناك الى خفض عدد الارهابيين في سورية بنسبة تزيد على ال 30 %, واذا اضيف ما لحق بالمسلحين من خسائر نجد ان قدراتهم اليوم لا تتعدى ال 45% من قدراتهم قبل سنة.
على ضوء ذلك باتت اميركا تخشى ان تتمكن الدولة السورية من الاجهاز على المسلحين واستعادة السيطرة واعادة الامن والاستقرار الى كامل المناطق التي دخلها المسلحون خلال السنتين الاوليين من سنوات الحرب – العدوان, ويكون في ذلك انتصار مدو لمحور المقاومة من طبيعة استراتيجية وعسكرية وسياسية ايضا يحدث مفاعيله وتداعياته على كامل الاقليم بل يتعداها, لذلك انقلبت اميركا الى حرب الاستنزاف لتمنع حدوث الانتصار المخشي منه في توقيت لا يناسبها خاصة انها اليوم بصدد اعادة التموضع في العالم والتخفيف من الوجود العسكري المباشر في منطقة الشرق الاوسط لتتفرغ اكثر الى الشرق الاقصى مع اكتمال الانسحاب من افعانستان دون ان ننسى الازمة الاوكرانية التي وقعت لتشكل نكسة كبيرة للسياسة الاميركية والغربية عامة ما جعلها تبدي حذرا كبيرا في مسألة التعاطي مع الاخفاق في سورية.
من اجل ذلك اعتمدت اميركا استراتيجية حرب الاستنزاف في سورية لتمكنها من كسب الوقت الى الحد الاقصى الممكن واحداث الضغوط بالمقدار الذي يجعلها تخفف من حجم خسارتها لدى الاخراج السياسي التسووي الذي تعول عليه مستقبلا في نهاية هذه الحرب البديلة. وقد ارست اميركا الاستراتيجية تلك كما يبدو على اركان ثلاثة تمكنها من معالجة الثغرات في الميدان القتالي وفي مجال التسليح ومجال الدعم السياسي والمالي والاعلامي وبهذا نفسر سلوكيات مستجدة كالتالي:
اولا: الاعلان عن تزويد اميركا للجماعات المسلحة التي اسمتها معتدلة بـ 20 صاروخ «تاو» مضاد للدروع, عملية ترافقت مع ضجيج اعلامي يكاد يوحي وكانها جهزتها بالقنبلة النووية, ورغم ان هذه الصواريخ ليس من شأنها ان تحدث تغييراً عسكرياً في الميدان, فان وظيفتها الاساسية معنوية ونفسية حيث ارادت اميركا ان توجه عبرها رسالة مضمونها بانها دخلت علانية ومباشرة في الميدان ولهذا اعتبر هذا التسليح بصواريخ تاو يندرج في اطار الحرب النفسية لوقف تدهور معنويات المسلحين المتآكلة والحد من حالات انهيارهم المتتابعة بعد الهزائم التي منوا بها على اكثر من جبهة من الجبهات الخمس خاصة في الغرب والشمال والوسط, وخاصة ان القيادة العسكرية المدافعة عن سورية برعت في اعتماد « الانهيار الادراكي للخصم « سبيلا لتحقيق الانتصار عليه خاصة في معارك القلمون مؤخراً.
ثانيا ادخال اسرائيل وتركيا في الحرب بشكل مباشر ولكن ضمن سقف محدود. وكان هذا من الاوراق الاحتياطية التي ترى اميركا بانها تضمن لها اعادة تسعير الحرب استنزافاً عبر رفع معنويات المسلحين في كل مرة يحقق فيها الجيش العربي السوري انجازات ميدانية هامة ذات ابعاد استراتيجية. لكن هذا الادخال وكما يبدو لن يكون مفتوحا على احتمال حرب اقليمية سواء في ذلك على جبهة الشمال او على جبهة الجنوب لاعتبارات متعددة منها ما يتعلق بالاطراف المعنيين مباشرة ومنها ما يتصل بالخريطة الاستراتيجية الدولية المعاد تشكلها في السنة الاخيرة من الازمة في سورية, وهنا لا بد من كلمة حول الدور الايراني الفاعل وبقوة في لجم اي انزلاق تركي غير محسوب, دون ان تنزلق ايران الى ما يبتغيه العدو.
ثالثا. ترميم جبهة العدوان عبر تسوية الخلافات او البدء بتسويتها على الصعيد الخليجي بين قطر والسعودية واتباعها. وترى اميركا ان تصدع مجلس التعاون الخليجي في هذا الوقت بالذات سيكون له ارتدادات سلبية قاسية على ما تخطط له في سورية, لذلك ورغم انها هي من ابتدع اصلا لعبة الحصانين الخليجيين اللذين تراهن عليهما في تنافس مستمر فانها رأت ان تهدئ اللعبة لوقت ما حتى تخدم مشروع حرب الاستنزاف في سورية, فاعطى اوباما في زيارته الاخيرة للمنطقة الاشارة لتابعيه الخليجيين بتجميد الخلافات الآن والسعي الى تطبيع العلاقات للتفرغ للمهمة الاساسية في العدوان على سورية.
هذا ما يبدو ان الغرب بقيادة اميركية اعتمده ليستمر في عدوانه على سورية ليستنزفها اكثر, لكن السؤال الآن الذي يراود الذهن يدور حول قدرات الغرب في حرب الاستنزاف وقدرات سورية وحلفائها في التعامل مع هذه الحرب على صعدها المختلفة.
في اطلالة سريعة على ما تقوم به سورية وحلفاؤها في «محور المقاومة والدفاع « نجد ان المدافع وقف على خطة المعتدي واستوعبها ووضع الخطط المقابلة لاجهاضها والتفلت من مخاطرها, ويتمثل الرد في السير قدما في المواجهة الدفاعية على الصعد المتعددة , السياسية ( السير قدما بالتحضير لانتخابات الرئاسة دون التوقف عند تهديد او تحذير يصدر من خصم او عدو) واقتصاديا ( احتواء الضغط على الليرة السورية وتنشيط ما امكن من الاقتصاد الوطني والانتاج المحلي ) والاهم نجده في المجال العسكري حيث نسجل التطوير في ادارة العمليات العسكرية بحيث تحفظ القدرات العسكرية الى الحد الاقصى وتجنب الخسائر في الارواح والعتاد الى الحد الاقصى مع الحاق اكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الجماعات الارهابية, سلوك ترافق مع الانجاز الاستراتيجي الهام المتمثل باغلاق جبهة الغرب مع لبنان واحتواء مبرمج لجبهة القلب والثقل الاستراتيجي للدولة حول دمشق ما يمكن من القول ان الدولة باتت تمتلك منفردة اكثر من نصف الاوراق في الميدان من غير شريك, وتبقى ال 40% الاخرى متقلبة في مستويات التحكم بين هذا وذاك لكنها لمصلحة الدولة في مجملها العام. وقد اعطت الدولة في ادارتها للمعركة الدفاعية في كسب ومحيطها نموذجا واضحا لكيفية التعامل مع حرب الاستنزاف الجديدة بما يرسخ الطمأنينة في النفوس لجهة النتائج المرتقبة. ويمكن من القول ان الغرب الذي عجز عن تحقيق اهدافه في الحرب الاساسية لن يبلغ شيئا من احلامه في حرب الاستنزاف مهما عمل على اطالتها.
صحيفة الثورة