مع انطلاق العام الدراسي في المدارس العامة والخاصة، تبرز تساؤلات تثقل كاهل الطلّاب والأهالي: هل بإمكان قطاع التعليم، الذي أصبح يميل نحو الخصخصة في كلّ تفاصيله أن يصمد في ظلّ الضغوط المعقّدة الناجمة عن الأزمة الاقتصادية التي يشهدُها البلد؟ وهل الحصار الجائر وحده هو المسؤول عن هذه الأزمة؟ وماذا بخصوص جشع التجار من جهة وجشع أصحاب المدارس والمعاهد الخاصة من جهة ثانية؟ وكيف ستتدبر شريحة الموظفين وأصحاب الدخل المحدود وشريحة العاطلين عن العمل الحاجيات المدرسية والتعليمية لأولادها في ظلّ ظروف معيشية ضاغطة ومؤلمة.
يواجه النظام التعليمي اليوم صعوبات كثيرة من حيث نقص الكوادر ونقص الخدمات والمستلزمات في الكثير من المؤسسات التعليمية وضعف الإدارات الحالية لغالبية المدارس وانتشار الدروس الخصوصية بشكّل يكاد يقضي على التعليم داخل الشعب الصفية، وتعدد النماذج التعليمية لتشمل المتفوقين وبرامج الفئات وبرامج خاصة بالملتحقين والمتسربين والمدارس العامة والخاصة وغيرها.
في خضم هذا السياق هناك قصص مختلفة تتعلق بالنظام التعليمي منها ما يتعلق بالأسعار الخيالية التي تفرضها المدارس الخاصة تحت مسميات مختلفة، بعيداً عن أعين الرقابة، والأرباح الكبيرة تحت غطاء مؤسسات تربوية تعليمية، الأمر الذي ساهم في توسع دائرة انتشار هذه المدارس والمعاهد بشكّل ملفت للنظر. لدرجة وجود أكثر من مدرسة في حي أو منطقة صغيرة. أما الأمر الآخر فيتعلق بالزيادة الكبيرة والواضحة للتسرب المدرسي في المرحلة حلقة التعليم الأساسي والتي تعود في أكثرها لضيق الحال المادية التي فرضت على هؤلاء الأطفال الخروج من مدارسهم الحكومية لعدم قدرتهم حتى على شراء الحقيبة والقرطاسية ودفع تكاليف الدروس الخصوصية التي باتت شرطاً هاماً للنجاح، في ظلّ تراجع مقلق للعملية التعليمية في المدارس العامة.
ولطالما اعتُبرَ قطاعُ التعليم في سورية بمثابة مرفق وطني تأسيسي، وقد كان على مرّ السنين شريان حياة لأبنائنا، لكنه اليوم يمرّ بمنعطفٍ حرج، مما فتح الباب للمدارس الخاصة لتستمر في فرض هيمنتها على الساحة التعليمية بالشروط التي تريدها، ولعلّ ذلك أهم المبررات للزيادة المقلقة في معدلات التسرب المدرسي، وتوجه اهتمام المدرسين نحو ممارسة الدروس الخصوصية بشكل علني وضعف الانتماء للعملية التعليمية، وتفشي ظاهرة التدخين حتى في صفوف الحلقات التعليمية الأولى.
تأتي آراء الكثيرين من التربويين وخبراء التعليم والاقتصاد على أن هذا المنعطف في التعليم جاء بعد السنوات التي عدلت فيها المناهج وطرائق التدريس، وأن الكثير من البرامج التي يفتخر بعض المعنيين في تحقيقها لم يكن وقتها ولم تأت في محلها، وقد انحرف التعليم عن مساره.
كحصن منيع ساعد في تنويع القوى العاملة في البلد وتدريبها، ومكًن الطلبة من جميع شرائح المجتمع، من الوصول إلى فرص مناسبة وتحقيق تقدم اجتماعي واقتصادي، فكان هذا القطاع ركيزةً أساسية لصورة مشرقة رغم التحديات وعوامل الضغوط المحيطة بالبلد والتي لا تعتبر جديدة.