الثورة _فؤاد مسعد:
روح الشباب الدائم ينطفئ، الابتسامة التي كانت تضفي على المكان دفئاً خاصاً وألفة مُحِببة تترجل تاركة وراءها كنز من حب الجمهور ، إنها القامة الفنية الكبيرة أنطوانيت نجيب ، التي رحلت اليوم عن عمر يناهز الـ (92) عاماً (تولد 20 شباط 1930) .
” أعشق بلدي سورية ، التي بدأت اليوم تتجدد وتعود كما كانت أيام زمان ، وأشعر بالسعادة لأنني أراها تزدهر من جديد ” .. بهذه الكلمات التي تنبض بالحياة تحدثت لصحيفة الثورة نهاية عام 2017 ، واليوم ترحل عن عالمنا وقد تركت وراءها إرث من العطاء والحب ، بعد مسيرة طويلة من العمل الدؤوب ، هي واحدة من فناني الذهب العتيق الذين ساهموا بإخلاص وبنوا بصمت وتأنٍ على مر سنين طويلة فكانوا منارة للأجيال اللاحقة . كانت محبتها للآخرين تفوح كعطر ياسمين الشام بطيبة وعفوية وقلب كبير ، ذلك العطر الذي يصعب تجاهله إن حل في مكان لما يمتلك من سمات تجعل من صاحبه إنسان بكل مقاييس الإنسانية وفنان يعطي من قلبه وذاته الكثير .
انتسبت الفنانة الراحلة إلى نقابة الفنانين عام 1968 ، شاركت في العديد من الأعمال التي تركت بصمتها الراسخة ، وتكرست بدور الأم الحنون الطيبة إلا أنها لم تتقوقع ضمن هذا الإطار فقدمت شخصية المرأة الشريرة في العديد من الأعمال لتكسر القاعدة وتثبت أنها فنانة كل الأدوار وبجدارة ، هي أرملة الفنان الراحل يوسف شويري ، والتي حُفر لها في الذاكرة الكثير من الأعمال ، في المسرح (حط بالخرج ، شغلة فانية ، الأشجار تموت واقفة ، سهرة مع أبي خليل القباني ..) ، وفي السينما (دمشق مع حبي ، الرابعة بتوقيت الفردوس ، رسائل الكرز ، عاريات بلا خطيئة ، امرأة تسكن وحدها ، شقة للحب ، امرأة حائرة .. ) أما في التلفزيون فنذكر من الأعمال التي شاركت فيها : الدبور ، أحلام لا تموت ، اللوحة ، البيادر ، العروس ، الجوارح ، تل الرماد ، أيام الغضب ، الفصول الأربعة ، حمام القيشاني ، أوراق خريفية ، الدبور ، الخوالي ، رياح الخماسين ، وردة شامية ، الرابوص ، حارة المشرقة ، فرصة أخيرة ، روزنا ، بقعة ضوء ، القربان ..
ربما يكون للموت سطوة ولكن عندما يطال المبدعين تكون السطوة والخلود لما سطرّوا من إبداعات يصعب على الزمن النيل منها فهي راسخة في عقول وقلوب كل منا ، فقد شكّلت ذاكرة دخلت إلى عمق وجدان الناس ولامست همومهم ، إنها تلك الذاكرة الجمعية التي أسس عليها المبدع أعماله لتبقى بصمته واضحة و حضوره راسخ ، هي التي يراهن عليها بعد رحيله فإن غاب جسداً حضر إرثاً فنياً وإنسانياً .. سيبقى ما تركته الفنانة الراحلة من أعمال قصة تشهد على حياة كاملة عاشتها بألمها وفرحها ، ويبقى لها مكان في قلب وذاكرة من الصعب أن يناله الصدأ يوماً .. ليكن ذكرها مؤبداً .
السابق
التالي