وقعتْ، مرة أخرى، في شرك اللغة ومتاهتها..
لطالما أدركت أنها فخ، حاولتْ مراراً تجنبه والابتعاد عنه.
يفترض باللغة أن تقرّبنا.. أن تكون صلة وصل تختصر الكثير من المسافات..
ما حدث معها أنها تنطق بعباراتها فيتلقاها الآخر بطريقة مختلفة لما قصدته..
فجأة، تتحول كلماتها إلى ذرات ونثرات متطايرة يُساء فهمها.
أي عقل وأي تفسير ذاك الذي سيّر مقاصدها وفق مكر رؤاه..؟
بدأتْ بتطبيق استراتيجية جديدة:
أن تسترجع كل أفكارها وعباراتها إلى حيزها الدماغي.. خشية أن لا تُفهم وفق ما تبتغيه.. ولهذا أخذتْ تسرّ بها إلى نفسها وحدَها.
لا تدرك كيف تنفلت تلك التأويلات لدى الآخر من مسار فهمها المنطقي المفترض..؟
كانت تعتقد أن الحبّ هو ذاك الجدار الصلب، القادرة على جعل قلبها يتكئ عليه..
لم تعلم أنه يحدث وأن يصير الحب هشّاً كما هشاشة أحلام طفولتنا، فلا يقينا من سوء فهم.
تأويلاته عكست تماماً ما أرادت إيصاله والتعبير عنه، قلبته عن أصل معناه..
هل اللغة عاجزة عن نقل ما نفكر به ووضعه في موضعه الذي نبتغيه..؟
في كتابه (اللغة والموت) يذكر “جورجيو أغامبين” أن ماهية الانسان لغوية في صميمها..
ماهيتنا لغوية..!
أيكون المقصد من ذلك، أنها تدير دفة حواراتنا وفق قانونها المطوي في برمجتنا الدماغية.. وبالتالي لدى كل منا شيفرة لغوية خاصة..؟!
إذاً من الممكن جداً أن تنطق لغتنا بغايات دفينة في أنفسنا لا ندركها.. أو لا نعي وجودها..؟
وإن لا كيف يمكن أن يؤول الآخر كلماتنا بغير ما أردناه..؟!
فعلياً تتحول اللغة حينها إلى غطاء نمّحي ضمنه..
بالنسبة لها أن تنطق كلماتها حاملة أفكارها يعني أن تؤكد على وجودها.. ويبدو أنها تلاشت، لبرهة، في حيزٍ لغوي ما.. تماماً كما عبّر يوماً “ميشيل فوكو” عن امّحائه خلف اللغة التي يتكلّمها.
للحظاتٍ.. أحسّت، حقيقةً، أنها تتلاشى وتمّحي خلف كلماتٍ لها قوة سحرية..
تتبدّل وتتحوّل حسب نوايا ناطقها ومتلقيها، بالآن عينه..
وماكرة هي تلك اللغة التي جعلتها تتورّط في هواه.