سيظل العرب يذكرون بالسوء بدء مخطط المأساة، والندامة على معرفة تشرشل صاحب فكرة وعد بلفور عام 1917 والداعم لها عسكرياً ولوجستياً وسياسياً، لن ينساه التاريخ، فهو سبب مآسيهم التي مازالت تمتد وصولاً للعدوان الأخير على غزة والذي أسفر عن 250 شهيداً.
يسرف الكيان الصهيوني في التنكيل بالفلسطينيين في غزة والداخل، بينما تفتح سماء الخليج والسعودية للخطوط الجوية (الإسرائيلية)، ليجوب الصهاينة على الأرض التي حرمت عليهم يوماً ويبدأ العمل لعبور خطوط الغاز العربي إلى الكيان الصهيوني، ويمنعون وصوله لسورية.
الخط المفتوح لسورية دوماً هو خط الشهداء، من صارت دماؤهم سواقي جارية منذ وطئت أرض فلسطين أول قدم صهيونية، مروراً بكل الأرزاء التي وقعت عليها ما بعد الاستقلال، وصولاً للإرهاب المنظم الذي طالها في العقد الأخير، محطماً ما عاشته من استقرار وازدهار.
بدأت خطوط الأخطبوط الصهيوني تمتد للتطبيع مع معظم أقطار الوطن العربي، بعيداً عن الدبلوماسية لتحقيق حلم أهداه إياهم عرب الخليج عبر خطوط التبادل التجاري، والاقتصادي والسياحي، حتى رأينا حاخامات اليهود يتجولون في مساجد الخليج وفي بقيع السعودية.
زيارة بايدن الأخيرة للمنطقة كانت لتسليك الخطوط، كتلك الحمراء والزرقاء التي قَطَّعت أوصال الوطن العربي على خارطته، وأصبح الواقع وطناً مجزأً.. ليعلي بعض حاكميه شعار قطرهم أولاً في عملية محو للهوية القومية ونزع مفهوم الأمة العربية من حياة الشعب العربي.
أبناء الوطن العربي الذين تعنيهم حاكمية جغرافيتهم، يعون تماماً أنه بإمكان أحدهم ركوب الدراجة من شرق الوطن العربي إلى مغربه وبالعكس، بلا عوائق طبيعية، إلا من حواجز بشرية اصطنعتها خطوط الفكر الصهيوني، الذي بث سمومه بين أبناء الشعب الواحد وما زال.
شياطين الصهاينة منذ الهاغانا امتداداً للشاباك، وحتى اللحظة، ما زالوا يسعون لإعلان وفاة القضية الفلسطينية، وطباعة ورقة نعيها ولصقها على جدران دول العالم وأروقة الأمم المتحدة رغم أنهم كانوا يدّعون رغبتهم بالتهدئة وصولاً لحل الدولتين كوسطية تحفظ حقوق (الطرفين).
مراوغون كذبة، لم يسعوا يوماً لأي سلام، أجندتهم لا صفحة للسلام فيها، يستخدمون دوماً لغة التهديد والوعيد، ضد جميع الفصائل الفلسطينية، في الداخل والخارج، ويزدادون شراسة ليبقى الداخل ملتهباً ما يزيدهم عنفاً وإرهاباً، لكنهم يعمقون امتداد خطوطهم مع العرب المرتهنة..
كل ما سبق يؤكد تبخّر حل الدولتين الذي لم يكن جدياً في أذهان بني صهيون أصلاً، فلا العالم ولا أممه المتحدة قادر على توفير الحماية للفلسطينيين، إنما يسعى الجميع لحماية بني صهيون أينما تواجدوا.. إلا أن المقاومة مازالت تناضل لأجل حقوق الشعب الذي يعاني من مكائد تل أبيب التي أنشأها الإنكليز عام 1909 كأول بذرة زرعت لتنتج كياناً يدعى (إسرائيل).
للتذكرة نستعيد حضور تشرشل افتتاح بلدية تل أبيب، التي بالغوا في تزيينها لدرجة أنهم قطعوا شجرة صنوبر من حدود لبنان، وغرسوها في الرمال، ليزداد المكان ألقاً كما حدائق أوروبا..
كانت كلمة تشرشل في الافتتاح مملة، ما دعا الفتاة (روت) الصغيرة التي قدمت الورد لتشرشل تسأم وتستند على الشجرة المغروسة، مالت الشجرة مع أشجار أخرى، وظهرت سيقانها المقطوعة لتفضح الخديعة.. ما جعل تشرشل يهمس في أذن رئيس البلدية قائلاً: أخشى أن تسقط دولتكم، حتى لو ساعدناكم والعالم أجمع على إنشائها.. فلا شيء يثبت بلا جذور.
مهما حاولوا إكثار خطوط الربط مع دويلات العرب الهشة لا يمكن لشيء أن يثبت بلا جذور.. صدق عراب الصهاينة رغم فكرته الجهنمية.. لأن الحقيقة تفرض نفسها على الواقع.