تمثل مسألة عدم الانتشار النووي ركيزة أساسية لإرساء الأمن والسلم الدوليين، إلا أن الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وإلى جانبها بريطانيا وفرنسا، ما زالت تفتقد الرادع الأخلاقي والإنساني في تعاطيها مع الملفات الدولية الحساسة، إذ لم تبد تلك الدول حتى الآن أي مسؤولية جادة في العمل على نزع الأسلحة النووية، وصولاً إلى عالم خال من هذا السلاح المدمر للبشرية جمعاء.
على مدى أربعة أسابيع من المناقشات المستفيضة والساخنة، فشل المؤتمر العاشر لمراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية – الذي أنهى أعماله في مقر منظمة الأمم المتحدة بنيويورك أمس- في اعتماد وثيقة ختامية توافق آراء المشاركين، وفي حين اعتبرت الأمم المتحدة أن هذا الفشل سببه النزاع في أوكرانيا، أكدت روسيا على لسان مندوبها إلى المؤتمر بأن السبب الرئيسي يكمن بالتصريحات الكاذبة والمسيسة لبعض الوفود بشأن أوكرانيا، حيث إن بعض الوفود جاءت إلى المؤتمر بهدف تحقيق مآرب سياسية محددة بأي ثمن كان، وفق المندوب الروسي.
الولايات المتحدة هي الطرف الأكثر انتهاكاً لمعاهدة عدم الانتشار النووي، ومن خلال سلوكها المدمر في أوكرانيا، وتصرفاتها العدائية على أكثر من جبهة دولية، تتحمل المسؤولية الكبرى في إفشال المؤتمر، ونظراً لموقفها المتحيز، أو بالأحرى المحرض لقوات النظام الأوكراني للاستمرار بقصف محطة زابوروجيه النووية يومياً باستخدام أسلحة أميركية ثقيلة، فإنها بذلك تعرض الدول الأوروبية على وجه الخصوص إلى كارثة نووية، وتهدد المنطقة برمتها بتلوث إشعاعي خطير، وبحال وقعت هذه الكارثة، فإن أتباع أميركا الغربيين سيتحملون أيضا المسؤولية، بسبب إصرارهم على جعل أوكرانيا منصة عدوان ضد روسيا مهما كلف ذلك من خسائر ونتائج كارثية على أمن واستقرار العالم.
ثمة نقطة أخرى في غاية الأهمية، تتمثل في أن الدول الغربية دائماً ما تحول دون التوصل إلى اتفاق على صعيد مسألة حظر الانتشار النووي، بهدف إخراج السلاح النووي الإسرائيلي من دائرة الاهتمام الدولي، وللتغطية والتعتيم على ما يمتلكه هذا الكيان من رؤوس نووية تهدد أمن وسلامة شعوب العالم بأسره، الأمر الذي يثبت مجدداً أن الدول الغربية، لا تزال تتعامل بازدواجية معايير فاضحة تجاه هذه المسألة، علماً أن الجمعية العامة للأمم المتحدة سبق أن أصدرت عدة قرارات تدعو هذا الكيان للتخلي عن أسلحته النووية، لكنه لا يقيم أي وزن لتلك القرارات، وهو يستند بذلك إلى مظلة الحماية الأميركية والغربية، التي تحول دون مساءلته ومحاسبته.