لا تقود مؤشرات العملية التربوية في سورية الى حالة اطمئنان بظل ما يجري على الأرض منذ سنوات، الأمر الذي يجب التنبه إليه ومعالجته بهدوء حرصاً على عدم وقوع أي تشوه في هذا المسار الذي بدأ بالانهيار نتيجة الخطوات الارتجالية غير المدروسة والمتسرعة وغير المختبرة بشكل يتناسب وأهمية هذه الشريحة الحساسة من التلاميذ والطلبة.
لم تهدأ عاصفة تعديل المنهاج وما لحق بها من لغط لنواحي الأخطاء المتنوعة وعدم إمكانية تطبيقها في ظل الواقع المتردي نتيجة الحرب والإرهاب والحصار التي دمرت كثيراً من المدارس والتجهيزات اللازمة للمناهج الحديثة وضيق الشُّعب الصفية التي تصل الأعداد فيها الى ما يزيد على ستين طالباً حتى حضرت إجراءات جديدة بإدخال مواد إضافية مثل الوجداني والمهني والمشاريع في وقت تم فيه رفض كل الآراء والدعوات لإلغاء اللغة الفرنسية التي أرهقت الأهل والطلاب من دون أن يكون لها حضور في المشهد الثقافي أو في قطاع الأعمال وارتباطها بالاستعمار في الماضي والعداء في الحاضر واستبدالها بلغة أخرى .
اليوم مع ازدياد عدد المدارس والمعاهد الخاصة ومدارس المتفوقين والمنصات التعليمية تم استقطاب الكوادر التدريسية الخبيرة والماهرة من قبل هذه المدارس لتترك المدارس العامة بما تيسر ولا يعني ذلك تقليلاً من الكوادر التدريسية ولكن وجود بعض المميزين في كل مدرسة يترك أثره وينقل الخبرات والمهارات الى الكوادر الجديدة ويحسن من واقع العملية التدريسية، الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالخطوات المتتالية والمتسرعة والاجتهادات كل عام من دون معايير تركت أثرها في مجمل العملية التدريسية، فاختيار الإدارات يتم من دون أي معايير ولو بالشهادة أو سنوات العمل، والكوادر الإدارية فاقت في عددها الكوادر التدريسية باختصاصات وتسميات لا أساس واقعياً لها في كثير من المدارس، ولم يكن آخر هذه المؤشرات والمنغصات ما حصل في موضوع القبول للناجحين في الثانوية العامة، فهل يعقل أن نحرم مَن كانت علامته 225 من الثانوية العامة في محافظة ونقبل زميله بـ 170 علامة في محافظة أخرى وبفارق 70 علامة ؟ .. كيف سنوجه ابن طرطوس واللاذقية بعلامته المرتفعة الى التعليم المهني بمحافظات زراعية بعيدة عن الصناعة، في حين نوجه ابن حلب الصناعية وبعلامة منخفضة الى العلوم المعرفية والعلوم الأخرى؟.. طبعاً ليس الأمر تقليلاً من شأن أبناء محافظة ورفع شأن أبناء محافظة أخرى .. أبداً.. أبناء حلب هم بطبيعة حلب الصناعية يتوجهون الى التعليم المهني وكثير منهم لا يرغب بالتعلم العام وهي حالة صحيحة وسليمة بامتياز، هل يعلم أصحاب الشأن أن عدداً كبيراً ممن تزيد علاماتهم على 220 في طرطوس واللاذقية لن يذهبوا الى المدارس المهنية لأن هذه المدارس موجودة في مراكز المدن البعيدة عن الأرياف ولا يملك الأهل إمكانية إرسالهم الى هذه المدارس بسبب ارتفاع أجور النقل أو الاستئجار ؟ .. حال هؤلاء يشبه حال المناهج الصحيحة كفكرة ولكن تطبيقها يحتاج الى تقنيات وتجهيزات وإمكانات غير متوفرة حالياً.. أي قرار مهما كان صائباً يحتاج الى إمكانات وبيئة وظروف مناسبة وكادر مؤهل لتنفيذه وإلا ستكون نتائجه كارثية ومتسارعة في قطاع مثل التربية، والدروس الخصوصية مؤشر صارخ لتردي التعليم في المدارس وغياب الإدارات والمتابعة.
وأخطر شيء في بناء المجتمعات أن يتحول التعليم الى تجارة واستعراض، فهذا يهدد المجتمع بكل مكوناته ويقود الى التراجع، فهل نشهد عودة الانضباط لهذا القطاع؟.