تتخبط دول حلف شمال الأطلسي في مواجهتها المفتوحة مع روسيا الاتحادية في إيجاد وسائل سياسية واقتصادية ضاغطة على موسكو في المعركة الدائرة والمحتدمة بين القوتين على خلفية الأزمة الأوكرانية.
ويظهر هذا التخبط في مجال الحرب الاقتصادية أكثر من باقي المجالات الأخرى حيث أخفقت العقوبات الاقتصادية الغربية في خنق الاقتصاد الروسي حيث تواصل العملة الروسية الروبل ارتفاعها أمام العملات الأجنبية الأخرى وخاصة الدولار واليورو فيما تحصد شركات الطاقة الروسية عوائد كبيرة من تسويق النفط والغاز الروسي حيث وجدت موسكو سريعاً بدائل عن تخلي بعض دول الناتو عن شراء هاتين المادتين وأقرت وزارة الخزانة الأميركية أن أداء قطاع النفط الروسي في هذه المرحلة أفضل مما كان عليه قبل الأزمة الاوكرانية والعقوبات الأمر الذي أطاح بمساعي الناتو لحرمان موسكو من موارد تصدير النفط والغاز حيث زادت بنسبة 60٪ عن العام الماضي حسب الخزانة الأميركية.
إن فشل العقوبات الغربية على موسكو له أسبابه الموضوعية في الجانب الروسي والبنيوية في حلف شمال الأطلسي حيث يعكس صمود الاقتصاد الروسي أمام حزم هذه العقوبات التي تجاوزت 600 قرار قوة هذا الاقتصاد وتنوع مدخلاته ومخرجاته وعلاقات روسيا الاقتصادية مع المنظومة الاقتصادية العالمية بينما يعود الإخفاق الأوروبي إلى الخلافات الكبيرة بين دول الأطلسي حول آليات التعامل مع موسكو، وبدا ذلك واضحاً بإعلان المفوضة الأوروبية للطاقة قدري سيمسون بفشل الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على تحديد سقف لسعر الغاز الروسي. ويضاف إلى ذلك تراجع دور القوى الغربية على المستوى العالمي وعجز واشنطن على فرض إرادتها على الكثير من دول العالم كما كان الأمر في مطلع هذا القرن وكل ذلك مع عوامل أخرى يشير إلى تراجع الهيمنة الأميركية في مقابل تشكل عالم جديد متعدد الأقطاب.
تعمل الماكينة الإعلامية الغربية لتغطية هذا الفشل (الأطلسي) ببث الأخبار والتقارير الفاقدة للمصداقية عن سير المعارك على الأرض الأوكرانية مروجة لانتصارات وهمية على القوات الروسية الأمر الذي دفع رئيس حلف الناتو ينس ستولتنبرغ إلى التقليل من شأن ذلك بالقول (يجب عدم الوقوع في الخطأ والاستعداد لحرب طويلة) وذلك كي لا يرتد انكشاف حقيقة كذب انتصارات قوات كييف في خيرسون وخاركوف سلباً على حلفاء الحلف في أوكرانيا وعلى الرأي العام الغربي بشكل عام.
إن فرض الولايات المتحدة الولايات المتحدة وحلفائها من مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، حظراً على النقل البحري للنفط الروسي والمنتجات النفطية في الشهرين القادمين وفي نفس الوقت عدم اتفاق المجموعة الأوروبية على تحديد سقف لسعر الغاز الروسي يعكس مدى تخبط دول الناتو في اتخاذ القرارات المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية على روسيا وهذا يعكس من جهة أخرى استحالة تطبيق مثل هذه القرارات من جميع دول الحلف ولذلك تركت واشنطن الباب مفتوحاً أمام للدول الأخرى من القيام بمثل هذه المشتريات من خلال استثناءات للحظر المفروض على الإمدادات النفطية والغازية من روسيا وبالتالي فشل الحصار الذي تسعى إليه واشنطن على التوريدات الروسية.
ولا يقتصر تخبط دول الناتو في الموضوع الاقتصادي فقط وهناك خلافات عميقة بينها حول جدوى استمرار الإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا فيما القوات الأوكرانية تتراجع وتتكبد الخسائر الكبيرة على الأرض إضافة إلى التقارير التي تتحدث عن ذهاب هذه الأسلحة أو جزء كبير منها للسوق السوداء وهو الأمر الذي تتخوف منه العديد من الدول الأوروبية وأن يتم استخدام هذا السلاح لاحقاً ضد شعوبها أو مصالحها.
لذلك الأمر تسود الخلافات في المجال السياسي داخل دول الحلف إزاء كيفية التعاطي مع روسيا فهناك بعض الدول ترفض القطيعة السياسية مع موسكو وتحذر من خطورة ذلك بينما البعض الآخر يؤيد ذلك.
في ظل هذا الواقع الغربي والتعامل الروسي المدروس مع كل التطورات في أوكرانيا وعلى ساحة الناتو سيبقى الخاسر الأكبر هو الشعب الأوكراني الذي تم توريطه في حرب بالوكالة أفقدته السلام والاستقرار والوحدة “الجيوسياسية” لبلاده التي لن تعود كما كانت سابقاً.