“أتعرفون كم هي بسيطة الرغبة؟ النوم رغبة. التفسّح رغبة. والإنصات إلى الموسيقا أو إنتاج الموسيقا أو ممارسة الكتابة، كل هذه الأمور رغبات. الربيع أو الشتاء رغبات. الشيخوخة أيضاً رغبة والموت ذاته رغبة. لا توجد الرغبة أبداً من أجل تأويلها، إنها هي التي تُجرّب”..
بهذه البساطة إذاً كل ما نجرّبه هو رغبة..!
بحسب قول جيل دولوز السابق، الرغبة متماهية مع كثير من الأفعال أو الأشياء من حولنا.. وربما هي كل شيء وفق تفسيره..
ويبدو أن مرد الأمر كونها تغدو معه “حركة” أو “فعلاً”، وبالتالي هي إنتاج، تبتعد عن أي معنى للنقص كما أكد مراراً..
ولهذا لن نستغرب أنه يرى الإنسان ذاتاً راغبة أولاً، وحتى قبل أن يكون ذاتاً مفكرة.
وكأننا معه (نرغب) طوال الوقت.. لكن لما يتلاشى لدينا هذا الإحساس (هنا والآن)..؟
ما نشعر به فعلاً أن الرغبة تهرب منا..
وفيما لو بقيت لدينا بقايا “رغبات” ما درجة تحقّقها والقدرة على إنجازها أو إنجاحها في ظل ظروف بلاد دوّختها الحرب..؟
السؤال الأصح: ما المدى المسموح لاستمرار إنتاج الرغبة لدينا..؟
وفق معايير هذه البقعة الجغرافية: هل تنتج الرغبات أم هي التي تُنتجنا وتساعدنا على ممارسة العيش..؟
بعرف الزمن الراهن حالياً على رقعة الإحداثيات الجغرافية التي نحيا عليها، يتنامى إحساس بكون مساحة “الضروري” و”المُلِح” تتشعب وتتسيّد على حساب “الرغبات” لأن هذه الأخيرة أصبحت مساوية لمعنى الرفاهيات والكماليات فننسى أن نفتش على أي “رغبة” لأن لا وقت لدينا لعيشها.
مع جيل دولوز تنقلب الموازين، وربما نستعيد أصل المعنى.. فنملك قناعة أن نتلفظ، بكل يقين، عبارة “أنا أرغب إذاً أنا موجود”..
بحسب تصوّره، نحن ذواتٌ راغبة على الرغم من كل طيش الحروب وأزماتها وما تفرضه من فوضى وانزياحات أخلاقية معتمة..
فنحن لا نستمر إلا بمقدار ما نستطيع الحفاظ على رغباتنا، كقوة دفع محرّكة لنا، مهما تضاءل حجم لحظنا ورعايتنا لها لاشعورياً.. لأنها تغلّف كل فعلٍ نقوم به، على رأي دولوز الذي يقلب تصورنا للأمر..
معه، نحن نرغب طوال الوقت دون أن نلحظ ذلك.