لم يكن الراديو شديد الانتشار .. لكنه كان موجوداً .. وكما في أيامنا الراهنة كنا بلا كهرباء.. الراديوهات في تلك الأيام كانت تعمل على البطاريات الجافة “طاقة بديلة” .. في المرحلة الثانية جاء راديو الترانزستور .. وانتشر انتشاراً كبيراً نظراً لسهولة حمله وتنقيله وصغر حجمه .. وبطارياته توضع في داخله .. وبلا كهربا وبلا هم ..
الراديو أبو بطارية جافة كان من طبيعة استثماره الثبات في المكان .. منزل أو دكان أو منشأة ما .. وكان يحاكي الإعجوبة ..
يومها وبما أن الراديو بمواصفاته تلك..كان يعامل كماليات منزلية .. بعض الأسر فقط عندها راديو .. وكان يحفّز النشاط الاجتماعي ..حيث يجتمع الجيران حول الراديو في منزل من يملكه أو من حول دكان صغير فيه راديو .. مالكو أجهزة الراديو كانوا كثيرين التباهي به .. وكل يزعم أن الراديو الذي عنده هو الأفضل والأقوى صوتاً .. ويذيع الأغاني الأجمل والأغرب .. المستمعون الساهرون كانوا يبادرون للتعرف على اسم المطرب او المطربة .. وإعلان ذلك .. محمد عبد الوهاب .. ناظم الغزالي .. كروان .. شادية .. وهات وجر ..
أنا أحب الراديو جداً.. واعتبره من أهم وأخطر وسائل الإعلام .. بقيت حتى عهد قريب استخدم راديو ترانزستور جميلاً .. لكنه خرب ولا أدري ما أصابه .. درت به في شوارع دمشق وأسواقها .. ولم أترك سنجقدار ولا شارع النصر ولا الميدان ولا حريقة ولا مكان فيه مصلح راديو إلا بحثت عنده عن علاج … دون ثمرة .. والجواب واحد .. ما عاد حدا اشتغل بالترانزستور ..!!! لذلك أنا اليوم استسلمت ومرتاح على انعدام الكهرباء عندنا ..!! علّنا نعود لعصر الترانزستور .. فأجد من يصلح لي الراديو .. ؟؟!!
أيام الراديو .. ذاك الكبير أبو بطارية جافة .. كان في بيتنا راديو .. وكان جيران وأقرباء كثر يجتمعون عندنا في السهرة والراديو سيد الكلمة ..
أذكر من تلك الأيام عندما غنى المرحوم وديع الصافي رسالته التربوية الموجهة لابنه ينصحه بخصوص شروط عروسه التي سيتزوجها .. يقول:
ليلى يا ابني إن جارت الأيام
بتعيش معك ع الزيتونة والجبنة ..
ويرد أهل قريتنا .. أي منيحة الزيتونة والجبنة .. لمين تصير..
يا أهل قريتنا .. يا تلك الأيام .. الآن لمين تصير الزيتونة والجبنة ..!!؟؟
كهربا ما في .. وترانزستور ما في .. والزيتون على ألله .. والجبنة الكيلو ناطح حدود الـ 30000 ليرة .. والزيادات على أسعارها مستمرة.
As,abboud@gmail.com