الثورة – لميس علي:
بعد الحرب العالمية الأولى تصاعد انتشار الفلسفة الوجودية في أوروبا بسبب القلق.. وزاد هذا الانتشار بعد الحرب العالمية الثانية..
كأنما الموت يزيد من حالات التأمّل لدى المرء، فيدفعه للتفكير في معنى وجوده وكيفية هذا الوجود..
كوارث الحروب تُعيد تشكيل دواخلنا..
فهل تكبّل الحرب الذائقة.. تبدّلها.. أو تحوّلها.. ربما تحرفها..؟!
لننتشل وجودنا بأبسط هيئاته، نميل إلى خلق حاجز حماية.. غلاف خارجي، معنوي، نحتمي ضمنه من كل ملوثات العدم التي تفرزها الحرب وأزماتها.
لعلنا نميل إلى الترفيه عن أنفسنا، ولو بأبسط الاحتمالات، فتصبح خياراتنا في مختلف الأشياء ترجح نحو التسلوي..
نبتعد عن الجدّيّة المفرِطة وعن كل ما له شأن بنقل صورة الحرب فنياً ولافنياً..
وكأننا نتمسك بقشة أمل أو فرح.. بأي شيء يُبقي على جمال إنسانيتنا غير مهشمةٍ أو محطمة..
هل يعني ذلك انتشار السطحي..؟!
ممكن.. لطالما بشكل غير مقصود نميل إلى الترفيهي التسلوي.. إلى أي شيء يدعم الجانب الحي فينا..
كأن نتابع دراما لا نقتنع بها لكن نشاهدها، مثل الدراما المشتركة، المُعرّبة، أو المدبلجة..
لأننا نميل وننتصر للجمال بكل أشكاله وأبسطها وحتى أكثرها سطحيةً..
ربما هي حالة تعويضية عن بشاعة الحرب وقدرتها على تشويه ذائقتنا البصرية، فنلجأ إلى أي علاج حتى لو كان تخديرياً..
مع العلم أنه خيار يندرج ضمن بند المؤقت لا أكثر..
وكأننا نواجه السؤال: هل تورّثنا ويلات الحروب ذائقة طارئة..؟
ما الذي تفعله الحروب فعلياً بذائقة أي منا..؟
ما تفعله أنها تدفعنا للبحث عن النجاة، لاشعورياً، النجاة بكل الأشكال..
تدفعنا للحفاظ على سلامتنا النفسية والعقلية بأي ثمن كان، وبأي طريقة كانت..
ولهذا نتمسك بلحظة العيش الحقيقية عبر صنع أو اصطناع الفرح، الابتسامة، الأمل، الضحك، أو أي من أفعال الحياة الحقّة..
وبسبب كل ذلك نصبح قادرين على تثمين الأشياء أكثر وأكثر.. وندرك قيمة اللحظات والاشخاص كما لم ندركها من قبل.. فتميل الذائقة فطرياً نحو خلق الجميل والإيجابي حتى في أكثر اللحظات عدميةً..
هل نصبح أكثر قدرة على إبصار الحب كنوع من معادل لكل خراب الحرب، التي لا تدخر وسيلة لتلويث الذائقة..؟
بكل جنونها وسيطرة عدميتها، تتبدّى الحرب اختباراً لذواتنا ولكل ما فينا..
تختبر ذائقتنا ومزاجنا.. فنكتشف نوعاً متحولاً ما بين الطارئة والمؤقتة..
لا ديمومة لها كما أي شيء يبتكره خبث الحروب.