عندما يبدأ الإعلام الأميركي الحديث عن جدوى بقاء القوات الأميركية في سورية وضرورة سحب تلك القوات فاعلم أن الوضع بات خطيراً على حياة الجنود الأميركيين، وأن ثمة نقاشاً داخلياً حاداً قد بدأ حول هذه المسألة نتيجة عمليات المقاومة الشعبية والاستهدافات المتكررة لقوات الاحتلال الأميركية وقواعدها العسكرية في سورية.
فالهجمات الصاروخية المتزايدة التي نفذتها المقاومة الشعبية ضد القواعد الأميركية على مدار العام الجاري ولاسيما الهجوم الأخير الذي استهدف قاعدة عسكرية لقوات الاحتلال الأميركي تحتوي مطاراً رئيسياً في منطقة الرميلان شمال شرق سورية، شكلت ضربة قاسية للحالة النفسية للجنود الأميركيين في القاعدة ولقادتهم العسكريين وأثارت النقاش الجدي حول جدوى الوجود العسكري الأميركي على الأرض السورية مقارنة بالمخاطر المتزايدة.
عادة ما تنكر القيادة العسكرية الأميركية تعرض قواعدها لهجمات في سورية تفادياً للضغط الشعبي الأميركي، لكن هذه المرة لم تستطع إنكار الضربة الصاروخية الأخيرة التي على مايبدو كانت دقيقة ومؤلمة بما يكفي لدرجة يصعب معها نفيها أو نكرانها، فاعترفت القيادة المركزية الأميركية بالهجوم في بيان رسمي لكنها نفت أن يكون الهجوم قد تسبب بسقوط قتلى أو جرحى بين الجنود الأميركيين.
البيان الأميركي يستدعي إلى الذاكرة فوراً بيان وزارة الدفاع الأميركية غداة الضربة الصاروخية الإيرانية الكبيرة التي استهدفت قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق عام 2020 رداً على اغتيال الشهيد قاسم سليماني، والذي أنكر في البداية وقوع ضحايا لتتالى بعد ذلك البيانات الأميركية والتسريبات عن عشرات الإصابات في صفوف القوات الأميركية بين جرحى ومضطربين نفسياً.
لذلك يمكن الاستنتاج أن الضربة الصاروخية الأخيرة على القاعدة العسكرية الأميركية في الرميلان وقبلها الكثير من الهجمات ضد القواعد العسكرية الأميركية في التنف وفي محيط آبار النفط والغاز في الجزيرة السورية حققت إصابات مباشرة وخلفت ضحايا وكانت مؤلمة، لدرجة أثارت النقاش من جديد داخل الدوائر الأميركية وفي الصحافة حول جدوى بقاء القوات الأميركية في سورية وضرورة سحب الجنود الأميركيين الذين قيل أن وجودهم لحماية حلفائهم الميليشيات الانفصالية وحماية آبار النفط التي يسرقونها، لكنهم اليوم لم يعودوا قادرين على حماية أنفسهم ويتعرضون للخطر بشكل متزايد.
مجلة “فورين أفيرز” الأميركية التي أثارت النقاش مجدداً حول القضية نشرت قبل أيام تقريراً مطولاً عن جدوى البقاء الأميركي في سورية بعد الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها القوات الأميركية، وخلصت المجلة إلى أنه مع كل يوم يمر تزداد المخاطر التي تتعرض لها القوات الأميركية مع ملاحظة ارتفاع وتيرة الهجمات ضدهم بنسبة 20% منذ بداية عام 2022، الأمر الذي يضعف الموقف التفاوضي لواشنطن فيما يتعلق بما يمكن الحصول عليه مقابل رحيل قواتها من سورية بحسب الصحيفة.
وبالرغم من أن المجلة حذّرت من أن انسحاب القوات الأميركية من سورية بشكل عشوائي على غرار ما حصل في أفغانستان سيكون مُكلفاً سياسياً لواشنطن ويزيد من زعزعة الثقة الإقليمية بالتزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، لكنها أكدت أنه بعد سبع سنوات من دخول القوات الأميركية إلى الأراضي السورية فقد حان الوقت لسحب تلك القوات إذ لم يعد الوجود العسكري الأميركي في سورية يشكل رصيداً استراتيجيًا لواشنطن بل أصبح نقطة ضعف.
إن عودة الحديث داخل الولايات المتحدة على المستويين الرسمي والإعلامي بضرورة الانسحاب من سورية يعود الفضل فيه إلى المقاومة الشعبية التي نفذت على مدى سنوات هجمات متنوعة ومتعددة ضد قواعد الاحتلال الأميركي وقوافله والميليشيات المتحالفة معه وأوقعت إصابات مباشرة في صفوف الأميركيين وعملائهم.
لقد أكدت سورية أن مصير الاحتلال إلى زوال وأن المقاومة الشعبية ضد الاحتلال هي أمر طبيعي ومشروع في ظل انشغال الجيش العربي السوري بمحاربة الإرهاب على مساحات كبيرة من البلاد، لذلك من الطبيعي أن هذه المقاومة التي تحظى بدعم رسمي ستواصل عملياتها وهجماتها ضد قوات الاحتلال الأميركي وقواعدها العسكرية وستكون أشد إيلاماً للمحتل في حال فكر في البقاء أكثر على الأرض السورية.
فهل يكون النقاش الأميركي المستجد مقدمة لسحب القوات الأميركية من سورية في وقت قريب؟ جرس نقرعه على مسامع من يراهن على بقاء المحتل الأميركي ويرهن نفسه ومستقبله لهذا البقاء الذي لن يدوم.