لم تكن قصاصة الورق تلك التي أرسلها آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا في الثاني من تشرين الثاني عام 1917 إلى اليهودي ليونيل والتر دي روتشيلد، مجرد رسالة عادية، بل كانت أكثر من ذلك بكثير، لأن كلماتها كانت ناراً ولهيباً على الأمة برمتها، وحروفها كانت مديةً حادة تسللت غدراً إلى جسد شعب بأكمله، وجعلت جراحه نازفة حتى اليوم، ودماءه مداداً لكتابة التاريخ مرة جديدة في غياب الإنسانية والضمير وحضور الغطرسة والهيمنة وازدواجية المعايير.
لقد كان وعد بلفور أكبر عملية سطو في التاريخ على شعب وأرض بهدف تغيير مجرى الصراع الدولي آنذاك قبيل الحرب العالمية الأولى وتحويله إلى المنطقة العربية، فكان أبشع جريمة على مر العصور، فكيف لدولة لا تملك هذه الأرض أن تبيعها وتعطيها لقطعان من الوحوش والإرهابيين الذين لا يزالون يمارسون أبشع أنواع الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.
الشعب الفلسطيني خاض نضاله وكفاحه منذ اللحظات الأولى لإعلان الوعد المشؤوم ولايزال يقاوم ويناضل ويضحي بدماء أبنائه من أجل استرجاع أرضه وحقوقه المشروعة رغم الإرهاب الإسرائيلي المتزايد على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية والإنسانية التي أصبحت رهينة وأداة وتابع للولايات المتحدة والغربا لاستعماري الداعم الأساسي والرئيس للكيان الصهيوني.
لقد تحولت المنطقة ما بعد بلفور إلى كتلة متدحرجة من اللهب الذي لا تزال ألسنته تشتعل بشدة لتحرق كل عوامل الاستقرار والأمن الذي لن يتحقق إلا بطرد الكيان الصهيوني وإعادة الشعب الفلسطيني إلى أرضه، وإلا فإن النيران سوف تبقى مشتعلة إلى ما لا نهاية، لاسيما وأنها قد بدأت بالتهام ماتبقى من حوامل وركائز المشروع الصهيو أميريكي ليس في المنطقة وحدها، بل في العالم أجمع.