من «أخذ عسكر» إلى المنجم

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
لا تستطيع القراءة الموضوعية أن تتجاهل ولو من باب الرمزية السياسية والتاريخية ما حدث في المنجم التركي والضحايا السوريين المسكوت عنهم وعليهم في البيانات الرسمية التركية،

وليس بمقدور الذاكرة السياسية أن تنتحي جانباً من دون أن تستعرض ما جرى من فظائع في العهد العثماني وصولاً إلى سفر برلك التركي ارتباطاً بما مارسته حكومة العدالة والتنمية رغم الفارق الهائل في الحسابات والظروف والمعطيات والأهداف.‏

وهذا ليس من بوابة أن التاريخ يعيد نفسه, بقدر ما هي محاكاة واقعية لحالة اللامبالاة بحياة الآخرين التي تحكم العقل السياسي في حكومة أردوغان, وهي تسترشد بمحاولة استعادة العباءة العثمانية من بوابة الخلافة السياسية والعرقية والدينية والجغرافية.‏

فقد جرت العادة في التاريخ العثماني, الذي يحاول أردوغان أن يستحضر صورته السياسية والإيحائية, أن تدفن الجرائم بمكانها وزمانها، وأن تتحوّل إلى مجرد تداعيات آنية سرعان ما تتجاوزها الأحداث والتطورات، غير أن الحادثة تفتح الباب على مصراعيه أمام ذاكرة المنطقة لتعيد رسم الصورة المشابهة والمماثلة حين ذهب مئات الآلاف من السوريين والعرب في رحلة الموت الأخيرة بمركب سفر برلك.‏

لا يرفض التاريخ من حيث المبدأ إعادة تسطير الأحداث حتى لو تباينت الأزمنة والظروف، وأحياناً أن يكرر بعد تفاصيلها ولو اختلفت الشخوص والشعارات والرايات، وأحياناً الأهداف والغايات، بحكم أن النتائج تكاد تكون متطابقة لجهة المرتكب وهوية الضحايا، ناهيك عن الطريقة والأسلوب.‏

هكذا كانت المسارات المتعرجة والمتخمة بالتشفي والانتقام والاستبعاد لا تقف عند منعطف حتى تستعين في كثير من الأحيان بما يتقاطع مع ما يشابهه في التاريخ، فيستدل بما بين سطوره ليقرأ الحدث من بوابة التراكم المعرفي بما جرى، ويرسم ما سيجري لاحقاً، وهذا ليس من بوابة التمهيد التاريخي لمشهد يتكرر، بقدر ما تحاكي واقعاً عملياً تحاول الأحداث أن تحيّده أو تتجاهله، فيعود التاريخ ليطابقه مع صفحاته الممتدة في عمق الذاكرة البشرية.‏

الواضح أن كارثة المنجم في تركيا لم تلقَ ما يناسبها من اهتمام إعلامي وسياسي وإنساني، وكادت تمر في كثير من الأحيان كحادث عابر في سياق الحوادث الطبيعية، حتى السوريون المئة الذين بقوا تحت الأنقاض لم تُثر مأساتهم فضول وسائل الإعلام ولا عواطف الساسة الغربيين.‏

في تغييب الاهتمام العالمي قد لا تكون هناك إضافات جدية في هذه المسألة، لأن التسييس لا يخدم الأجندات الغربية ولا يدخل في حسابات الربح السياسي، بل يشكّل عبئاً واضحاً على سياق السياسة الغربية، ويورِّط حكومة أردوغان في مزيد من التفاصيل التي تشكّل تحوّلاً نوعياً لا يمكن التغاضي عنه فيما تقترفه حيال اللاجئين السوريين، خصوصاً بعد توارد معلومات تفيد بأن العمّال السوريين يعملون وفق شروط غير قانونية وبعيداً عن الأنظمة الحاكمة للعمل في المناجم.‏

وفي البُعد الإنساني تنتفي الحاجة للأضواء في ملف لا يتوافق مع الحسابات والمعادلات القائمة، بحكم هوية الضحايا وما قد تفتحه من سجالات تُعيد النظر في الكثير من مسلّمات «البروباغندا» الإعلامية التي تسخّرها في هذا الاتجاه، وبالتالي كان الابتعاد عن مسارها ضرورة تفرضها الحاجة لإغلاق الملف بعيداً عن الاستطالة في عرض تفاصيله.‏

أولئك الضحايا الذين يضج الداخل التركي بحثاً عن تفاصيل إضافية، يرسمون في نهاية المطاف أسئلة موجعة في زمن أتخمته المصائب، وحطت خلف سياج أحزمته المزنرة بالنفاق والدجل والعهر السياسي، اللعبة الخطرة للدور التركي بطربوشه العثماني.‏

حياة البشر في بورصة السياسة ليست فقط تلك الإضافات الحسية الموجزة، ولا المتاجرات الرخيصة التي تزدهر على هامش الاستيقاظ المتأخر لأطماع استعمارية وأحلام زعامة مدفونة، بل هي أيضاً فيما تولده في الضفة الأخرى من مخاضات عسيرة على ايقاع الجبهات المفتوحة على الأرض، وفي عمق التاريخ كما هي في الجغرافيا.‏

من «أخذ عسكر» إلى المنجم يكاد يتقلص الفارق رغم تباعد الزمن والتاريخ والتوقيت وربما الطريقة، حيث تلتقي في الموت المجاني تحت وقع الأطماع التي لا تستفيق إلا وقد أحضرت معها عقلاً مشابهاً وسلوكاً مشيناً متطابقاً، ومحاولات مستميتة كي توقف التاريخ على المنحنيات المستحيلة، وهي تسترجع ذاكرة موغلة بصفحات مريرة كان العثماني فيها تاجر دم بمرتبة سلطان.‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
تشكل محطةً فارقةً في مسار العلاقات .. الشيباني يصل إلى واشنطن في زيارة رسمية وصول أول باخرة تحمل 50 ألف طن من الأرز قادمة من الصين.  بدعم أردني – أميركي.. الخارجية تعلن خريطة طريق شاملة لإعادة الاستقرار إلى السويداء  "نحو إنتاج زراعي اقتصادي".. في ورشة عمل بحمص  زيارة ميدانية ودعم لاتحاد الشرطة الرياضي  سوق المدينة يعود إلى " ضهرة عواد " بحلب  "وجهتك الأكاديمية" في جامعة اللاذقية.. حضور طلابي لافت وفد سعودي في محافظة دمشق لبحث فرص الاستثمار بتخفيضات تصل إلى 50 بالمئة.. افتتاح معرض "العودة إلى المدارس " باللاذقية أردوغان: ملتزمون بدعم وحدة واستقرار سوريا  الذهب يواصل ارتفاعه محلياً وعالمياً والأونصة تسجل 42.550 مليون ليرة سوريا: مستعدون للتعاون مع "الطاقة الذرية" لمعالجة الملفات العالقة التأمين الصحي.. وعود على الورق ومعاناة على الأرض "تجارة ريف دمشق" تبحث مع شركة تركية توفير الأدوية البيطرية   قرار ينصف المكتتبين على مشاريع الإسكان مراقبون تموينيون جدد .. قريباً إلى الأسواق  جاليتنا في "ميشيغن" تبحث مع نائب أميركي الآثار الإنسانية للعقوبات  "الشيباني والصفدي وباراك" يعلِنون من دمشق خطة شاملة لإنهاء أزمة السويداء 4 آلاف طن  إنتاج القنيطرة من التين خطاب يناقش مع لجنة التحقيق بأحداث السويداء المعوقات والحلول