الثورة – عبد الحليم سعود:
أثبتت الوقائع والتطورات المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني أن نهج كامب ديفيد ومسار التسويات المجتزأة والتطبيع الذي اجتذب بعض الدول العربية مؤخراً لم يكن مجدياً البتة في ثني الذئب الصهيوني عن عدوانيته وأطماعه وتوحشه في المنطقة، إذ ما زالت مشاريعه المستقبلية للهيمنة على المنطقة والتوسع فيها ونهب ثرواتها قائمة وجارية على قدم وساق.
وفي كل يوم يثبت ذلك بالأدلة القاطعة التي لا يرقى إليها الشك، فمشروع الكيان الصهيوني لشق قناة بين البحر الأحمر والبحر المتوسط “قناة بن غوريون” تستهدف مصر وشعبها بالدرجة الأولى، وتأتي في سياق محاصرة هذا البلد العربي المحوري والضغط عليه لمنعه من أخذ دوره في قضايا المنطقة، ولاسيما إذا ما أضفنا إلى ذلك أن “إسرائيل” دعمت وساعدت أثيوبيا في مشروعها لإقامة وإنشاء سد النهضة على نهر النيل، وقد عايشنا على مدى السنوات الماضية القلق البالغ لكل من مصر والسودان جراء الشروع في إقامة مثل هذا السد الذي من شأنه أن يحرم البلدين العربيين من كميات كبيرة من المياه هما بأمس الحاجة لها في تنميتهما الزراعية ونهضة شعبيهما اقتصادياً.
اليوم تتضح أكثر فأكثر أهداف الكيان الصهيوني من نشاطاته المريبة في المنطقة، إذ لا يترك مكاناً أو منطقة واقعة بين نهري النيل والفرات إلا ويحاول التدخل في شؤونها والعبث بأمنها واستقرارها لخدمة أهدافه الاستعمارية التوسعية، ففي العراق الأصابع الصهيونية واضحة لجهة تشجيع المكون الكردي على الانفصال عن بلده الأم، وجعل منطقة كردستان العراقية وكراً صهيونياً يتحرك فيها الموساد الإسرائيلي لتنفيذ عمليات تخريب واغتيال ضد النخب السياسية والعلمية في البلدان التي تناهض المشروع الصهيوني، وقد تحدثت تقارير عديدة عن شراء رجال أعمال صهاينة أراض وإقامة مشاريع في شمال العراق، وهذا ليس ببعيد عن المشروع الصهيوني لتفتيت العراق والانتقام لما يسمى بالسبي البابلي.
الرسالة الواضحة من إقامة قناة بن غوريون والتي تتمتع بمزايا تفضيلية قياساً بقناة السويس هي أن اتفاقية كامب ديفيد باتت من الماضي ولم يعد لها قيمة، وعلى المصريين أن يستعدوا للعديد من المفاجآت القاسية إذا ما حاولوا السعي لتفعيل جامعة الدول العربية وتنشيط العمل العربي المشترك وحل المشكلات بين الدول العربية، حيث يعرف الصهاينة من أين تؤكل الكتف المصرية، لاسيما أن مصر اليوم بأمس الحاجة لإيرادات قناة السويس في إطار تنميتها الاقتصادية، وبالتالي من المتوقع أن تخسر شهرياً حوالي 6 مليارات دولار شهرياً جراء تشغيل قناة بن غوريون التي ستهيمن على الحصة الأكبر من حركة الملاحة البحرية في هذه المنطقة، وأكثر ما يحز بالنفس هو أن يكون بعض العرب المطبعين أشبه بشهود زور على مشروع حفر القناة إن لم يكونوا مساهمين بأموالهم في تكاليف حفر وتدشين القناة.
من المؤكد أن التطبيع وكذلك “السلام” هما مجرد أدوات بيد الكيان الصهيوني لتحقيق أهدافه في المنطقة وفرض سيطرته السياسية والأمنية والاقتصادية على باقي دولها مع الإبقاء على سياسة الاحتلال والاستيطان والعدوان بحق الدول التي ترفض هذا المشروع وتقاومه، وهذا ما يدعو الدول العربية مجتمعة لتحسس ما يخطط له الكيان الصهيوني ومجابهته قبل أن يصبح أمراً واقعاً من الصعب تغييره، لأن هذا الكيان الإرهابي يستغل الظروف الدولية بأبشع طريقة لترسيخ وجوده ومشروعه الذي يتنافى ويتعارض تماماً مع المشروع العربي، إذ لم يعد مجدياً انتهاج طريق التسويات والتطبيع والمصالحة، طالما أن الذئب لم يتخل بعد عن أحلامه في إقامة “دولته” المزعومة من النيل إلى الفرات.