زيارة قصيرة لقريتي التي تقع في ريف مصياف قبل أيام عكست عبر مشاهدات كثيرة حالة النشاط لدى العديد من الأسر الريفية، فالفترة كما يعرف لموسم قطاف الزيتون ومؤشرات توارد المادة من الأراضي للمعاصر وحالات الازدحام فيها والرضى البادي على وجوه المزارعين كلها مؤشرات على أن الموسم أكثر من جيد هذا العام سواء على صعيد الكمية أم النوعية.
وبحديث مباشر مع بعض الأقارب فإن تلك الفرحة بوفرة الإنتاج لم تخلُ من غصة فرضتها صعوبات تكاليف الإنتاج المرتفعة بدءاً من فلاحة التربة والأسمدة وليس انتهاء بأجور العمال والمعصرة، وهذه كلها ستضاف على سعر بيدون الزيت عند البيع ما يعني أن الفرحة بانخفاض سعر زيت الزيتون الموسم الحالي ليست كبيرة، ومع ذلك إذا كان الفلاح الذي تعب وكل فرد في أسرته هو المستفيد فكما يقال بالعامية صحتين على قلبه يستحق.
ولكن من غير المقبول أبداً أن يستغل بعض المتاجرين بالمادة كما المعتاد تلك الوفرة وحاجة الفلاح وحرصه على تصريف إنتاجه وينتشرون في الريف لشراء المادة من المزارعين واحتكارها وتخزينها لبيعها لاحقاً بأسعار مرتفعة أو تصديرها والاستفادة من القطع الأجنبي لجيبوهم بدلاً من تدخل الدولة عبر مؤسساتها لاستثمار هذا الوفر والشراء المباشر من الفلاحين وتصدير الفائض من المادة ودعم الخزينة العامة بوارداتها.
لا نقدم جديداً عندما نقول إن الزراعة في سورية كانت لعقود أحد أهم ركائز الاقتصاد السوري ووفرة وتنوع المنتجات وفي مقدمها القمح والقطن دعمت كثيراً قوة واستقلال القرار السياسي السوري وكانت وراء رفع شعار تأمين الأمن الغذائي فعلاً لا قولاً، ومن لحظة التراخي والتخلي عن دعم هذا القطاع فعلياً والعمل الجدي على تذليل وتجاوز جملة الصعوبات والعراقيل التي رافقت العملية الإنتاجية وتراكمها وتفاقمها لاحقاً خاصة بالسنوات الأخيرة بعضها موضوعي وقاهر فرضته ظروف الحرب وبعضها الكثير الآخر لا يمكن إلا أن ندرجه تحت بند الإهمال والفشل في إيجاد حلول مستدامة تنهض بالقطاع من جديد وتضعه في سكته الصحيحة، فتعافيه يعني تحريك عجلة الإنتاج الصناعي وتوفير منتجات غذائية عديدة في السوق والمستهلك بأمس الحاجة لها ما يعني بالمحصلة تقليل فاتورة الاستيراد وتوجيهها عند الضرورة لمسارات أخرى.
ويمكن هنا أن يكون توجه الحكومة لتوزيع المازوت على الفلاحين عبر البطاقة الذكية العائلية ولاحقاً ربما مواد أخرى من مستلزمات الزراعة خطوة أولى لتخفيف التكاليف على المزارعين واحتياجهم للسوق السوداء وجشع المتعاملين فيها، ولكن دون شك النهوض بالقطاع يحتاج لخطوات أخرى كثيرة وتكامل جهود وإمكانات الجهات المعنية لترجمتها نتائج على الأرض بأسرع وقت.