فئات عديدة متنوعة وشرائح كثيرة جداً وتصنيفات لا أول لها ولا آخر تضمها الصناعة في كل بلد من البلدان، مكوّنة اللبنة الأساسية لمتانة الاقتصاد الوطني باعتبارها مرحلة انتقالية سبقتها مرحلة التأسيس، وتليها مرحلة الانتقال صوب الصناعات الثقيلة كالتعدين والحبيبات البلاستيكية وما لفّ لفّهما.
المشكلة في الصناعة السورية أنها وبالأخص في مرحلة ما بعد الحرب اعتمدت الصناعات التحويلية (الأسهل) جسماً حقيقياً لها، فمن العلكة والبسكويت إلى المحارم وسائل الجلي وسواه، وكلها صناعات بسيطة غير قادرة على النهوض ببلاد خسرت كل بنيتها الصناعية، مع الأخذ بالحسبان أن صناعة ما قبل الحرب كانت صناعة ناشئة بالمقاييس الصناعية الحقيقية، تبعاً لسيطرة الصناعات التحويلية على قطاعات واسعة منها كذلك.. إلا ما رحم ربّي.
اليوم ليس كالأمس، والبلاد لم تعد قادرة على تحمّل فاتورة الترهل الصناعي، وهو ترهّل واضح تماماً تبعاً لاحتكار نموذجي للسوق الداخلية، حيث باتت الصناعة المحلية تعرف تماماً أن كل ما تنتجه من سلع وبضائع سيكون الوحيد المتاح أمام المواطن لاستهلاكه، بغض النظر عن الجودة وبأسعار تقارب أسعار السلع الشهيرة في دول العالم، ناهيك عن تفرّد هذه الصناعة بميزة عدم الرغبة بطرح منتج يساير المزاج الاستهلاكي للمواطن، ولو كان بسعر عالٍ.
لعل الحل يكمن هذه المرة لدى المواطن وليس لدى الصناعي، فالمواطن باعتباره حجر الزاوية في استهلاك ما ينتجه الصناعي يمكن له المقاطعة، أو يمكن له في أفضل الحالات التركيز على منتج معين يحقق له ولو جزءاً من المواصفات التي يطلبها، وكلنا يعرف حجم تبادل المعطيات بين تكتلات الصناعيين، ما يعني تمرير الفكرة للحفاظ على الربح وزيادته فيكون المواطن قد حقق مراده بنوعية السلعة وليس بسعرها الذي يبدو أن وزارتي المالية والتموين مسرورتان به.
خارج الشعارات يمكن القول إن الصناعة الوطنية تستحق عشر درجات سالبة ولا شك، لأن ما يُنتج حالياً يمكن لأي ورشات في دول أخرى أن تنتجه، في حين تراجعت الكفاءة والثقة بها إلى درجة اقتصار المعارض على الداخلية منها، تحت عناوين متنوعة تدغدغ التوفير على المواطن.. وحتى في هذه الناحية هم ليسوا من أصحاب الكفاءات.
ولعل من نافلة القول إن كثيراً ممن يشكون سوء الأوضاع من الصناعيين يمتلكون معامل خارج البلاد تنتج السلع النموذجية خوفاً من المعايير والجودة في بلاد الإنتاج، ناهيك عن إمكانية تطويرهم معاملهم داخل البلاد بإدخال خطوط الإنتاج الحديثة، كما يدخلون سياراتهم الحديثة معهم بعد كل سفرة عمل.