الثورة – ترجمة – محمود اللحام:
لم تصبح “إسرائيل” فجأة أكثر عنصرية. فالعالم بأسره سيرى عنصريتها، خاصة أن الأمر الأكثر إثارة للقلق جاء بعد نتيجة الانتخابات العامة الإسرائيلية. التي جاءت بحزب فاشي، إذ فاز بأكبر عدد من مقاعد (الكنيست) في تاريخه، وأنه على وشك دخول الحكومة المقبلة.
بالتأكيد، ستكون السياسة الإسرائيلية أكثر وحشية وتعنتاً الآن بعد أن أصبحت الصهيونية الدينية في قلب الحكومة. لكن هذا لن يغير التفوق العرقي الذي هو وجه السياسة الإسرائيلية لعقود.
لم تصبح “إسرائيل” فجأة دولة أكثر عنصرية. إننا نزداد ثقةً بأنها لم تعد بحاجة إلى إخفاء عنصريتها عن بقية العالم.
والعالم – أو على الأقل الجزء من العالم الذي يعرف غطرستها على أنه المجتمع الدولي- يستعد ليتأكد له أنه محق تماماً في التأكد من عنصريتها.
في الواقع، لن يختلف موقف الغرب تجاه الحكومة الائتلافية الإسرائيلية المقبلة عن الموقف الذي تبناه تجاه الحكومات الأقل فساداً التي سبقتها.
في السر، أبلغت إدارة بايدن في الولايات المتحدة الأميركية القادة الإسرائيليين بأنها لا تقدر احتلال الأحزاب الفاشية لمثل هذا المكان البارز في الحكومة، خاصة وأن وجودها يهدد بفضح نفاق واشنطن وإحراج الحلفاء في المنطقة. لكن لا تتوقعوا من واشنطن أن تفعل أي شيء ملموس.
لن تكون هناك تصريحات تدعو إلى نبذ الحكومة الإسرائيلية ومعاملتها على أنها منبوذة، ولن تكون هناك تحركات لمعاقبتها أو وقف تدفق مليارات الدولارات من المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لها كل عام.
في واشنطن التي ما زالت تعاني من تداعيات أعمال الشغب في 6 كانون الأول، لن يجرؤ أحد على القول:” إن الديمقراطية الإسرائيلية قد تم تخريبها من الداخل”.
وبالمثل، لن يُطلب من “إسرائيل” الالتزام بحماية أفضل للفلسطينيين الذين يعيشون في ظل احتلالها، ولن تتجدد الجهود لإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
سوف نتجرأ قليلاً وربما نرفض بشكل رمزي مقابلة وزراء الأحزاب الفاشية، وبعد ذلك سوف يستمر العمل كالمعتاد – “العمل كالمعتاد” هو القمع والتطهير العرقي للفلسطينيين.
لا ينبغي التقليل من أهمية النتائج. يبدو أن (ميرتس) الحزب الوحيد الذي يدعي تفضيل السلام على حقوق المستوطنين الإسرائيليين، قد فشل في تجاوز الحد الانتخابي. يبدو الآن معسكر “السلام الإسرائيلي” الصغير ميتًا ومدفونًا.
وفاز اليمين العلماني المتطرف، واليمين المتطرف للمستوطنين، واليمين الديني الأصولي بـ 70 مقعدًا من أصل 120 مقعدًا في الكنيست، رغم أنهم ليسوا جميعًا على استعداد للجلوس معاً بسبب الاقتتال الداخلي. ومع ذلك، سيكون كافياً لضمان عودة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إلى السلطة للمرة السادسة، وهو رقم قياسي.
من المؤكد تقريباً أن يكون لإيتامار بن غفير موقع مركزي في الحكومة الجديدة، حيث يمثل حزبه الإرث الوحشي والعنصري العلني للحاخام الشهير مئير كاهانا، الذي أراد طرد الفلسطينيين من وطنهم.
يعلم نتنياهو أنه مدين بعودته إلى الصعود المذهل لبن غفير والكاهانيين – وسيتعين عليه مكافأتهم.
وتشغل أحزاب يهودية تنتمي لليمين العلماني والعسكري إلى حد كبير عشرات المقاعد الأخرى في الكنيست. ويؤيد المسؤولون المنتخبون بشكل دؤوب ما يرقى الآن إلى حصار دام 15 عاماً لغزة وسكانها الفلسطينيين البالغ عددهم مليوني نسمة، فضلاً عن القصف المتقطع للجيب الساحلي “لإعادته إلى العصر الحجري”.
لا الحزب اليهودي ولا أي من هذه الأطراف يفضل حلاً دبلوماسياً للاستعباد الدائم للفلسطينيين والتطهير العرقي التدريجي للقدس وترسيخ المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
وقد أشرفت هذه الأحزاب اليمينية العسكرية، التي فازت في الانتخابات قبل 19 شهراً، على ما وصفته الأمم المتحدة مؤخرًا بأنه ” العام الأكثر دموية ” للفلسطينيين منذ عام 2005، عندما بدأت الأمم المتحدة في جمع هذه الأرقام. عندما وصلوا إلى السلطة، قاموا بحظر ست منظمات حقوقية فلسطينية، بدعوى أنها “منظمات إرهابية” دون دليل.
ومع ذلك، ستدعي العواصم الغربية الآن أن أحزاب المعارضة هذه تمثل أملاً – وإن كان بعيدًا – في تحقيق اختراق نحو السلام.
في هذا البحر من التفوق اليهودي المطلق، سيكون هناك 10 ممثلين منتخبين ينتمون إلى حزبين غير صهيونيين ذي غالبية عربية، يمثلون خمس السكان.
إذا تمكنوا من إسماع أصواتهم وسط ضجيج العنصرية المعادية للفلسطينيين في البرلمان، فسيكونون الوحيدين الذين يناصرون قضية يعتبرها المجتمع الدولي عزيزة على قلبه: حل الدولتين.
وقد أوضح نجاح تحالف القوة اليهودية والصهيونية الدينية، الحائز على 14 مقعدًا، بعض الأمور. في هذه الانتخابات، كشفت الصهيونية السياسية، أيديولوجية “إسرائيل”، عن حقيقتها: طيف ضيق من معتقدات التفوق العرقي الدنيئة.
على وجه الخصوص، فإن تقدم بن غفير وحزبه سوف يمزق قناع “إسرائيل” وأنصارها في الخارج الذين يدعون أن “إسرائيل” هي “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، ما يعني أنها بؤرة أمامية للحضارة الغربية في شرق أوسط بدائي مع سطحية الأخلاق.
يثبت بن غفير وحلفاؤه في الحكومة أن الدعم الغربي لإسرائيل لا علاقة له بادعاءاتها الديمقراطية أو الأخلاقية. لقد تم تمويل “إسرائيل” دائماً بصفتها بؤرة استعمارية للغرب. ووصف تيودور هرتزل، أبو الصهيونية دور “إسرائيل” المستقبلية: “حصن أوروبا ضد آسيا”.