الثورة_ هفاف ميهوب:
غالبية فلاسفة ومبدعي العالم، سكنتهم روحٌ معطاءة عظيمة.. روحٌ لا يقل اتقاد إبداعها، عن اتّقاد معاناتهم وأحزانهم وآلامهم.
لم يكن الفيلسوف والمسرحي والشاعر الألماني “غوته” إلا واحداً من هؤلاء.. ذلك أن الحياة المترفة التي عاشها في ظلّ أسرةٍ مهّدت له سبل التعلّم والتميّز، لم تحل دون آلامه التي كانت تكبر مع كلّ إنجازٍ يقدّمه، وتزداد معه شهرته، بل كانت تتعاظم بطريقة أوحت له برائعته “آلام فرتر”.. الرواية التي لم يحترق حباً كما بطلها، بل نجا من هذا الاحتراق، ليعلن وبعد أن تماثل للشفاء:
“لقد تألّمت كثيراً، ولكن الألم كان كالشمعة التي أضاءت نفسي، وأثارت مواهبي، وها أنا أعود سليماً معافى كما كنت”…
بيد أن هذا المبدع الموسوعي، كان أكبر حظاً من صديق الإنسانية والباحث في أعماقها.. الأديب الروسي الشهير “دوستويفسكي” الذي تربى في حضن الشقاء والبؤس والألم، مثلما القلق والعذاب والاضطهاد، ما جعل رواياته أشبه بالدواء الذي يهب العافية، لكلّ من عاش الذل والإهانة والضياع، وغير ذاك مما عانى منه “الأبله” و “المقامر” و”المسكونون” والذين عاشوا “في بيت الأموات” وغيرهم كثرٌ من مرضى الروح والنفس..
إنهم أبطاله، ومن المعروف أنهم كانوا يعشقون الألم الذي عشقه هو أيضاً، بل ووصفه: “الألم هو السبب الوحيد للشعور، والعلّة الوحيدة للوعي”..
هذا ما شعر به هذا الأديب العظيم، الذي أعلن صراحة بأن ما رافق آلامه ومعاناته: “البكاء الذي يقطع الأنفاس، ويجبرني على التوقف، حتى عند الكلام”..
لم يكن هؤلاء، وحدهم من عاشوا آلاماً انهمرت مع إبداعاتهم، فغالبية المبدعين عانوا مثلهم، وتألموا حدّ شعورهم بالغربة والعزلة والوحدة و”اللاطمأنينة”. تلك التي جعلت الكاتب والشاعر البرتغالي “فرناندو بيسوا” يشبّه نفسه، بـ”هوامش مدينة ليس لها وجود، و التعليق المسهب على كتابٍ لم يُكتب”، بل وأنه ليس بأحدٍ لطالما رأى: “الروح الإنسانية ضحيّة حتمية للألم، تقاسي ألم مفاجأة الألم، حتى مع ما تتوقعه من الألم”..