الثورة- ظافر أحمد أحمد:
سخّنت وتسخّن الولايات المتحدة الأميركية حرب أوكرانيا، ومع استطالة حرب ساحتها أوروبية تقطف أميركا النتائج الاقتصادية.
وتصرّ الولايات المتحدة على سياسة العقوبات على الاتحاد الروسي وحربها على الغاز والنفط الروسيين، وهي تعلم وبعمق أنّ تأثيرات العقوبات السلبية تصيب الاقتصاد الأوروبي قبل الاقتصاد الروسي، وهي بهذه السياسة وبنفوذها العالمي تحاول وضع اقتصادين كبيرين (الروسي والأوروبي) في دائرة الأزمات في ذات الوقت الذي تتبع فيه سياسة اقتصادية محلية تجذب الشركات الصناعية وشتى الاستثمارات خصوصاً الاستثمارات الأوروبية.
وبدأ الضرر الأكبر يتوضح في الاقتصاد الألماني، ومعه احتمالات كبرى بأن تفقد ألمانيا صفة (قاطرة الاقتصاد الأوروبي) وها هو اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية يؤكد أنّ حوالى 40% من الشركات الألمانية تتوجه لزيادة استثماراتها في الولايات المتحدة، إضافة إلى ظاهرة تقليص الشركات لإنتاجها المحلي بشكل يهدد بتدهور مرتبة ألمانيا كرابع أكبر اقتصاد في العالم ويهدد سوق الوظائف فيها.
وبينما تتوجه كبرى الشركات الصناعية الألمانية نحو السوق الأميركية، فإنّ الشركات الألمانية الصغيرة تتعرض لشتى المصاعب، ووفق استقصاء لجمعية الشركات العائلية الألمانية فإنّ 25 بالمائة من الشركات التابعة لها تخطط لإلغاء الوظائف.
البيئة الاستثمارية الأميركية الجاذبة لكبرى الشركات الصناعية ولشتى الاستثمارات لم تنجم عن أساليب أميركية نبيلة بل هي طعن في الظهر وعمل منظم تقوم به الولايات المتحدة للإضرار بأيّ قوّة اقتصادية تفكر أن تصبح أقوى من الاقتصاد الأميركي، أو تنافسه في حلبة سطوته على الأسواق العالمية.
وهاهم حلفاء أميركا قبل غيرهم يشكون من سياسات واشنطن الاقتصادية وتأثيراتها السلبية عليهم وعلى العالم، ومع ذلك لم يتجرأ أي حليف حتى الآن على توجيه أيّ اتهامات للسياسة الخارجية الأميركية التي تضع الاستقرار العالمي على المحك، بل تشكل الحالة الأوروبية أنموذجاً عجيباً في انتقاد السياسة الاقتصادية الأميركية، وفي نفس الوقت العمل كناطق رسمي باسم الخارجية الأميركية التي توظف أداءها لخدمة اقتصادها، وينفذ الاتحاد الأوروبي ما تمليه عليه واشنطن تجاه الملفات الساخنة عالمياً (الحرب الأوكرانية – تايوان – إيران – سورية..).
وظهرت مؤخراً أصوات أوروبية رفيعة المستوى ومتخصصة في السياسات الاقتصادية، وأصوات حكومية تحدثت بجرأة عن الإجراءات أحادية الجانب التي تعتمدها الولايات المتحدة لتعزيز قدرتها التنافسية كونها تتمتع باستقرار نسبي على صعيد توفر مصادر الطاقة والمواد الأولية وبأسعار أقل من دول الاتحاد الأوروبي، ولكن لم تتجرأ هذه الأصوات على البحث في المسؤولية الأميركية عن خلخلة الاستقرار الأوروبي قبل غيره.
وهكذا تُشغل واشنطن الآخرين في تفاصيل الحرب الأوكرانية وتعمل بقوة للإبقاء على سطوتها الاقتصادية، وبينما الحلفاء يخسرون اقتصادهم.. يتراقصون للسياسة الخارجية الأميركية.

التالي