يتواصل العدوان التركي على الأراضي السورية موقعاً المزيد من الخسائر البشرية والمادية في المناطق المستهدفة التي يتحمل النظام التركي المسؤولية الكاملة عن الخلل الأمني فيها عندما استخدمها خلال السنوات العشر الماضية إلى مسرح لإدخال الإرهابيين الدوليين إلى سورية.
يخطئ من يعتقد أن هذا النظام يريد أن يعم الأمان والاستقرار على طرفي الحدود السورية العراقية مع بلاده، فهو يستخدم هذه الحجة ويوظفها داخلياً وخارجياً وما يؤكد ذلك أن طرفي الحدود السورية- التركية لم يشهدا قبل الحرب الإرهابية على سورية أي حالة أمنية تذكر أو تتسبب بأضرار على مدى عقود.
يتحدث المسؤولون الأتراك بالشيء ونقيضه في آن معاً، ففي اجتماعات صيغة أستانا يعلنون التزام بلادهم باحترام سيادة سورية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وقبل انعقاد الاجتماع التاسع عشر لهذه الصيغة يقومون بشن عدوان جديد على الأراضي السورية ويطلقون التصريحات عن السعي لإقامة حزام أمني داخل الأراضي العراقية والسورية وهذا بحد ذاته انتهاك صارخ للسيادة السورية والعراقية.
منذ عقود مديدة يعاني الشعب التركي من معالجة قاصرة لمشكلة حزب العمال الكردستاني وما يماثله من أحزاب وتنظيمات كردية مسلحة، وبدلاً من إيجاد حلول سياسية أو أمنية داخلية لجأت الحكومات التركية إلى تصدير المشكلة إلى شمال العراق وتحاول الآن مدها إلى شمال سورية على الرغم من محدودية الحالات الأمنية في تلك المنطقة رغم توظيفها من النظام التركي في إدخال الإرهابيين الدوليين وتشكيل المليشيات والتدخل في الشؤون الداخلية السورية.
لن تفضي العملية العدوانية التركية على طرفي الحدود السورية العراقية إلى جلب الأمن لتركيا أو القضاء على من تسميهم أنقرة إرهابيين، بل ستسهم في توسيع مساحة الخلل الأمني وعلى ما يبدو أن النظام التركي لا يسعى لإيجاد حل دائم لمشكلة هؤلاء المسلحين، ويصر على توظيف وجودهم على المستويين الداخلي والإقليمي وفي علاقاته مع القارة العجوز والولايات المتحدة ولو كان لدى هذا النظام أي نية لحل هذه المشكلة لقام بتفعيل الاتفاقيات الموقعة مع العراق وسورية، وهو ما سيؤدي تلقائياً إلى ترسيخ الاستقرار على الحدود بين البلدان الثلاثة وفتح الباب أمام إيجاد حلول سياسية تفضي في نهاية المطاف إلى معالجة مشكلة المسلحين الأكراد وتحويل هذه المنطقة إلى مساحة للتعاون الاقتصادي والزراعي بين البلدان الثلاثة.
إن التصريحات التركية الأخيرة عن النية بإقامة حزام أمني على طول الحدود السورية العراقية مع تركيا تتلاقى مع المفهوم العدواني لكيان العدو الإسرائيلي، ولكن التجربة العملية أثبتت أن تطبيق هذا المفهوم لا جدوى منه على كل الجبهات مع هذا الكيان، وعلى النظام التركي أن يأخذ العبر من هذه التجربة المريرة لهذا الكيان الذي بات وضعه الأمني أخطر بكثير في ظل استحواذ المقاومة لوسائل عسكرية قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي.
لا شك في أن هناك اختلافاً كبيراً بين الحالتين التركية والإسرائيلية، فحل المشاكل المفتعلة من جهة النظام التركي على الحدود مع سورية والعراق يمكن أن يحصل بنسب كبيرة جداً في حال التزم هذا النظام باحترام قيم والتزامات حسن الجوار والاتفاقيات الموقعة والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين.
إن العملية العدوانية التركية يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الأوضاع في حال مضى النظام التركي بإقامة حزام أمني وهذا من شأنه أن يدمر كل المحاولات المستمرة من قبل جهات صديقة لإصلاح العلاقات بين سورية والعراق وتركيا التي دمرها النظام التركي بانخراطه في المشروع الإرهابي الغربي في المنطقة.