بين ثقافتين ونسقين للقيم؟

الفساد بكلّ أشكاله المالي والأخلاقي والثقافي ظاهرة شكّلت تحدياً لكلّ الشعوب على مرّ التاريخ لما له من انعكاسات سلبية وآثار مدمرة على المجتمعات الإنسانية ومنظوماتها الأخلاقية والقيمية والاجتماعية ناهيك عن أنه يشكّل انتهاكا لمبدأ العدالة والمساواة ولكلّ القوانين الوضعية والطبيعية وقد سعت أغلب الفلسفات والرسالات السماوية لمواجهته من خلال التركيز على البعد الأخلاقي والنسق القيمي في التنشئة والتربية والتوجيه في المجتمعات الإنسانية إلى درجة أن البعض منها أفرد نصوصاً واضحة لعقاب مرتكبيه الساعين لتكريسه كسلوك بشري .

ونظراً للآثار المدمرة لمنظومات الفساد فقد أفردت القوانين الوضعية لأغلب دول العالم حيزاً واسعاً في نصوصها لمعاقبة مرتكبيه إلى درجة أن البعض منها أوجد صيغاً وهيئات رسمية لتعقب وكشف مرتكبيه وإحالتهم للعدالة ونظراً للآثار الكارثية للفساد على الصعيد الدولي فقد تمّ إحداث منظمة دولية غير رسمية في ألمانيا منذ حوالي عشرين عاماً سميت منظمة الشفافية الدولية تصدر تصنيفاً سنوياً يبين حالة الفساد في كلّ دول العالم ضمن ترتيب رقمي يعتمد معايير شفافة للتصنيف .

ولا شك أن أخطر أنواع الفساد هو الفساد المالي لما يشكّله من آثار كارثية على المجتمعات والدول وانعكاسه السلبي على خططها التنموية خاصة الدول النامية حيث يقع الدور الأساسي في ذلك على الدولة وموازناتها السنوية ومواردها الذاتية لاسيما عند تصميم السياسات الاقتصادية والخطط الاستثمارية ناهيك عن العقود والتوريدات الخارجية وهو ما يمكن أن يطلق عليه الفساد الكبير .

لقد عرفت منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه استغلال الوظيفة العامة لتحقيق مصالح ومكاسب خاصة سواء كان ذلك بشكّل مباشر أو عن طريق أشخاص آخرين يرتبطون بصاحب الوظيفة العامة وبشكّل غير قانوني أو من خلال الالتفاف على القوانين وهو ما يطلق عليه الفساد الذكي وقد قدّرت منظمة الشفافية الدولية حجم الفساد في العام الماضي في دول العالم بما قيمته ستمائة مليار دولار أميركي ما يعكس حجم الظاهرة وخطورتها .

والى جانب الفساد الكبير الذي تمّت الإشارة إليه يشكّل الفساد الصغير خطورة لا تقل أهمية وتأثيراً عن الفساد الكبير لاتساع مساحة وتأثيره أفقياً وعمودياً حيث يصيب أغلب مظاهر الحياة العامة والنشاط البشري العام والخاص إلى درجة أنه يشكّل في بعض المجتمعات ثقافة وسلوكاً يحوله إلى ظاهرة وليس حالات فردية هنا وهناك يتم رصدها ومعالجتها .

إن محاربة ومواجهة الفساد مسألة في غاية الأهمية وهذه مسؤولية جماعية تبدأ من الفرد وتنتهي بالدولة بكّل مؤسساتها وأدواتها وللفرد والأسرة دور لا يقل أهمية عن دور الدولة في ذلك من خلال توطين ثقافة النزاهة ومنظومة القيم في البيت الذي هو الغرس الأول في حديقة الوطن ثم يأتي بعد ذلك دور المدرسة والتربية ومناهجها والمنظومة الأخلاقية التي تشتغل عليها وتحاول تكريسها في النسق القيمي عند الأطفال ولا شك إن للقوى السياسية والحزبية والمنابر الثقافية والدينية والإعلامية والمجتمع الأهلي دوراً محورياً في ذلك من خلال برامجها وخططها وخطابها وقبل ذلك ما يتحلى به القائمون عليها من سلوك عملي ودرجة انسجامهم مع الخطاب المعلن .

إن محاربة الفساد قضية تحتاج إلى استراتيجية وطنية واضحة تسير وفق نسقين أو منظومتين منظومة أخلاقية الدور الأساسي فيها للمجتمع بكّل مكوناته يتم التركيز فيها على توطين ثقافة النزاهة ومنظومة موازية أخرى هي المنظومة القانونية الشفافة التي تأتي مكملة وحاسمة للمنظومة الأولى لسبب جوهري وهو أن القانون بالنتيجة هو ضمير جمعي وعندما يغيب الضمير الفردي أو يضعف يجب أن يحضر الضمير الجمعي وهو هنا القانون بحدوده وضوابطه الحاسمة محققاً الردعين العام والخاص .

آخر الأخبار
تعزيز الشراكة لتمكين المرأة السورية.. اجتماع رفيع المستوى بين وزارة الطوارئ وهيئة الأمم المتحدة للمر... مناقشة تعزيز الاستقرار وسيادة القانون بدرعا  "الأوقاف" تعيد "كندي دمشق"إلى المؤسسة العامة للسينما  سوريا و"الإيسيسكو" تبحثان التعاون العلمي وحماية التراث الثقافي في سوريا  الاقتصاد تسمح باستمرار استيراد الجلديات وفق شروط "فسحة أمل" بدرعا ترسم البسمة على وجوه الأطفال المهجرين   عشائر عرب السويداء:  نحن أصحاب الأرض و مكون أساسي في السويداء ولنا الحق بأي قرار يخص المحافظة  المبيدات الزراعية.. مخاطرها محتملة فهل تزول آثارها من الأغذية عند غسلها؟ "العقاري" على خُطا "التجاري" سباق في أسعار السلع مع استمرار تصاعد سعر الصرف "الموازي" النباتات العطرية .. بين متطلبات الازدهار وحاجة التسويق 566 طن حليب إنتاج مبقرة فديو باللاذقية.. والإنتاج بأعلى مستوياته أولمبي كرتنا يواصل تحضيراته بمعسكر خارجي ومواجهات ودية حل فعال للحد من مضاربات الصرافة.. مصرفي : ضبط السوق بتجسير الهوة بين السعرين رسمياً المواس باقٍ مع الشرطة الرئيس الشرع يستقبل البطريرك يازجي .. تأكيد على ترسيخ أواصر المواطنة والتآخي شركات التأمين .. الكفاءة المفقودة  ! سامر العش لـ"الثورة": نحن أمام فرصة تاريخية لتفعيل حقيقي  للقطا... "ممر زنغزور".. وإعادة  رسم الخرائط في القوقاز الإنتاج الزراعي .. مشكلات "بالجملة " تبحث عن حلول  وتدخلات الحكومة خجولة ! أكرم عفيف لـ"الثورة": يحت... قبل خسارة صناعتنا.. كيف نستعيد أسواقنا التصديرية؟