الثورة – هفاف ميهوب:
إذا كان مفهوم الثقافة لدى العموم، يتعلّق بالتعليم أو السلوك أو المعارف التي يمتلكها الإنسان، فهو ليس كذلك لدى أدباء وعلماء ومفكرين، سعوا لتقديم رؤى عديدة ومختلفة وشاملة في مفهومهم للثقافة.. رؤى وإن اختلفت، إلا أنها تتّفق في كونها صادرة عن أهل الفكر والعلم والثقافة.. الأنثروبولوجيون مثلاً، وأقدمهم الإنكليزي “إدوارد تايلور” الذى حاول في كتابه “الثقافة البدائية” الإحاطة بكلّ ما يتعلّق بمفهوم الثقافة، وإلى أن وجدها:
“ذلك الكلّ المركّب، الذى يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف، وغير ذلك من العادات التى يكتسبها الفرد كعضوٍ في مجتمع معين”..
إنها رؤية ربط فيها الثقافة بالحضارة، رافضاً أن تنفصل فكرة الثقافة عن الإنسان البدائي، وأن تنحصر بالإنسان المتحضّر، فكلاهما وحسب قناعته، لديه ثقافة تكمّل الأخرى..
هذا عن الثقافة لدى علماء الإنسان، أما لدى الشعراء والنقاد وكتّاب المسرح، فلكلّ واحد منهم ملاحظته التي قد تختلف، أو توافق الملاحظات التي قدّمها الأمريكي “ت.س إليوت” في تعريف الثقافة.. الملاحظات التي بيّن فيها، بأن ثقافة المجتمع كلّه وبكلّ طبقاته، هي الأساس لأنها:
“الشيء الوحيد الذي لايمكننا السعي إليه عن عمد، إذ إنها نتيجة نشاطات شتى، على قدرٍ من الانسجام”…
أيضاً، من الرؤى والملاحظات الحديثة التي تتعلّق بالثقافة، ما تناوله المنظّر الثقافيّ والفيلسوف البريطانيّ “تيري إيغلتون” في العديد من كتبه.. الكتب التي أشار فيها، إلى انحياز الثقافة عن مفهومها، وتحوّلها إلى معركة سياسات استحقّت انتقاداته اللاذعة والقاسية، ولاسيما الثقافة المعاصرة التي دفعته للقول:
“ليست الثقافة ما نحيا به فحسب. فهي أيضاً، ما نحيا لأجله. فالعاطفة، والعلاقة، والذاكرة، والقرابة، والمكان، والجماعة، والإشباع الانفعالي، والاستمتاع الفكري، والإحساس بالمعنى الجوهري، أقرب إلى معظمنا من قوانين حقوق الإنسان، أو المعاهدات التجارية”..
