الملحق الثقافي- مها محفوض محمد:
هل قدرنا كلما التأمت بعض جراحنا أن تتدفق من جديد كأنها كانت تستجمع زهر الآلام..هل كانت تخاتلنا حتى نقوى على جراحات جديدة..؟
فأنا
لايمكن لي أن أصدق أننا سرنا في جنازتك..
سنوات طوال قضيناها معاً كنت الفرح في حياتنا، أنت الرجل الذي لايشبه الموت أبداً بل تضج بالحياة والمرح والجمال، أيها النبيل الشفاف الصادق الشهم المعطاء، من لايتذكر عبد المعين محفوض الرجل والضابط والإنسان ضابط إدارة مشفى تشرين العسكري لأكثر من ربع قرن، وهو الذي كان يقدم كل ما يستطيع لمن يقصده.
رحيلك موجع مبكر مفاجىء، ألم نكن على موعد اللقاء هذا الأسبوع؟ آه ياأخي وصديقي ورفيق سنوات طويلة كيف أقوى على نعيك لا أعلم.. لقد كسرت قلوبنا ومن يجبرها؟.
إلى جنان الخلد أيها الغالي والرحمة والسلام لروحك النقية الطاهرة، وكنت قبل رحيلك المر قد نزفت جراحاً بلا ضفاف في شهر آب برحيل ابن عمك أخي عدنان وفي شهر آب تحديداً، وقد كتبت منذ فترة أخاطبه وهو من يرقبني من بعيد.
غادر شهر آب ولمّا أذهب إلى البحر بعد، أسائله عنك كما دأبت معه خلال سنوات مضت بعد رحيلك، البحر الذي طالما كنت أناشده طوال سنوات الغياب: «يا بحر صبري صبر سفينة… يا بحر إيمتا الولف يجينا».
أصبحت أعاتبه: لماذا غدرت بأخي في تلك الليلة المقمرة من آب؟ وهو الذي كان يعشقك.
هل ما زلت تخبئ في رمالك شيئاً من ظله؟.
لا أدري ما الذي أغواه عندك، أهو العشق؟ أم الشبه بينكما في العنفوان؟ أم ليبقى هذا الموت حكاية للموج وحزناً لنوارس البحر وهو الرجل الذي لا يشبه الموت أبداً، بل كان فياضاً بالحياة والحب والأمل، لكنه كان الإنسان الحقيقي في الزمن الباطل.
يوم عدت يا أخي بعثت في نفوسنا فرح الدنيا ونشوة العمر ظننا يومها أننا ودعنا حالات الانكسار والحزن على غيابك المؤلم، لم نكن نعلم أن ذاك اللقاء هو وداع آخر.
كنت تكتب لي: مها يا حبق الصباح، لم يبق سوى الحبق الذابل فوق تراب الرحيل لكني مازلت أتلمس مكان جلوسك وأسمع خطواتك الطالعة على الدرج حين كنت أضمك، وأنا التي لم أشبع من رائحتك التي أشتقت إليها طويلاً، وكنت أعيش من شهر إلى شهر إليها شوقاً جميلاً، ظننا يومها أنه سيكون لدينا متسع من الوقت لنسرد حكايانا التي خبأناها سنيناً، كم من أشياءٍ وأشياء لم نخبر بعضنا بها؟ وكأنا اتفقنا أنك سوف تعيش إلى الأبد وأنت الذي لا يخلف ما وعد، لا أدري هل وجدت أن العمر ينقص والعالم لم يتراجع عن آثامه أم كنت الغريب في الزمن الغريب الآتي من وجع العصور من مملكة الحق والعشق الطبيعي للأجمل والأنبل في الحياة والوجود.
أيها النادر في هذا الزمان وفي كل زمان لن نرى بعدك أحداً يشبهك لا عينان تختزنان الينابيع كعينيك، ولا قامة تشبه قامتك المهيبة ولا ملائكة لها أجنحة حنانك ولا ابتسامة معمدة بالحب كابتسامتك.
صعبة هي الكتابة عن الرجال الاستثنائيين، كم نحتاج إليك يا أخي في هذا الزمن الصعب!
نوارة..لينا.. نايا التي كنت تحلم برؤيتها.
ماذا أخبرك وعن ماذا؟
لا..لا لن أخبرك شيئاً يخال إلي أنك تعرف كل شيء.
العدد 1125 – 20-12-2022