الملحق الثقافي- حسين صقر:
كثيراً ما تستوقفنا بعض المنشورات على صفحات موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك»، نظنها في بعض الأحيان أنها مجرد كلمات عابرة، وفي أحيان أخرى نلمس فيها الحكمة والوعظ الحسن.
أحد تلك المنشورات، والذي لفت نظري»إن لم تكن الانحرافات مجالاً للنقد..كيف نجد للإصلاح طريقاً»؟!.
فهو ربما يحتوي بين قوسيه على مجرد كلمات، لكن بالتأكيد يحمل في طياتها الكثير، إذ إن النقد الإيجابي ركن أساسي من أركان التطور والتقدم وازدهار الأمم، ولاسيما إذا كان هدفه البناء وليس إحباط الآخرين، لأنه فعلاً يسهل طريق الإصلاح، ويكشف ويعري السلبيات ويفتح الطريق واسعاً كي يعرف كل منا خطأه، والمواقع التي أصاب فيها كي يعززها، والأماكن التي كبا بها كي يحيد عنها، حيث لكل حصان كبوة، ولكل عالم هفوة، ومن لايعمل لا يخطئ أبداً.
وفي هذا استذكر قصة لرسّام، فبعد أن أنهى العمل بلوحته المفعمة بالجمال واللون والمعاني، وضعها في الطريق، وكتب» كل من يشاهد خطأ في اللوحة، يرجى الإشارة إليه، وبعد أيام عاد فلم يجد أي معالم لتلك اللوحة، حيث طمسها كل من مرّ عليها، واختفت الألوان وتشابكت ولم يعد لها أي وجود، وأدرك عندها أن إصلاح الأخطاء لا يكون على تلك الطريقة أو الأسلوب.
المهم أنه أعاد رسم اللوحة كما كانت، وبعد الانتهاء منها، عاد وعلّقها في ذات المكان، وكتب ملاحظة» أرجو ممن يجد خطأً أن يمسك بالريشة الموجودة جانباً، وأن يستخدم الألوان المرافقة لها، ويقوم بإصلاح ذلك الخطأ، وعاد بعد أيام، ليرى لوحة جميلة رائعة، لو أتيح لها الكلام لتحدثت، وحكت قصتها، لوحة آية في الرقي، لأن كل من رأى عيباً فيها، لم يشر له وحسب، بل عمد إلى إصلاحه بترو وحرفية، حيث لم يتدخل بإصلاح اللوحة من ليس له خبرة في ذلك، وكان كل المصححون رسّامون ومهنيون في هذا المجال، حيث اجتمعوا بعد ذلك وأدلى كل بدلوه، حتى وصلوا للنتيجة المرجوة.
ونحن اليوم بحاجة للنقد والإصلاح، وليس الإشارة إلى مكامن الخطأ وحسب، بل اقتراح الحل، إذ اكتفينا من التنظير وإطلاق الشعارات وإهانة الآخرين، والتقليل من شؤونهم، لأن التقليل من تلك الشؤون هو عدم احترام لرؤيتهم.
فاحترام الرؤى يوصلنا إلى بر الأمان، لأنه ببساطة العقل الواحد لايكفي، ولهذا كان هناك مايسمى العصف الذهني، وإطلاق المبادرات والاستماع للمقترحات، حيث تختلف الرؤية من شخص لآخر، ولو نظرا إلى نفس الزاوية، وتختلف الرؤية والتحليل حتى لو وقفا في نفس الركن أو الزاوية.
من الضروري بمكان أن نفسح المجال للنقد الإيجابي، البعيد عن الغايات السلبية والتشهير، وإذا رأى أحدنا خطأً، لايكفي أن يشير له، فلابد من المساهمة بإصلاحه، واقتراح الحل، لأنه من شاور الآخرين شاركهم في عقولهم، والعقل الجمعي أفضل بكثير من التفرد بالرأي والقرار، حيث هناك الكثير من القرارات الفردية والمتعنتة التي أوصلت أصحابها لطرق مسدودة، بل وجعلتهم على حافة الهاوية.
نقد الانحرافات وتسليط الضوء عليها، هو الطريق الواسع للإصلاح، وسماع الآخرين هو محطات الراحة والتزود بالوقود وتبريد المحركات والحصول على قسط من الطمأنينة للوصول بالرحلة حتى نهايتها وبلوغ الهدف.
لايوجد مجتمع خال من الأخطاء والعثرات، والكمال لله وحده، ولهذا يجب أن نفسح المجال للآخر والاستماع له، إذ من الضعف في الشخصية أن يظن الشخص أنه يفقه كل شيء ويعلمه، وأن من دونه سيحل الخراب، فالناس يكملون بعضهم، ولانجاح لعمل من دون الأخذ في الحسبان أنه نتيجة جهد جماعي، ومن المجحف أن نقلل من جهود الآخرين، وأن نستأثر بكل عمل ونجيره لنا، وأنه لولا وجودنا ما اكتمل.
كثير من القصائد والروايات والأعمال الفنية والصناعية والاختراعات، إذا لم تلق النقد البناء لم تر النور، ولهذا فالإكثار من النقد الإيجابي البعيد عن التشهير والغايات السلبية والذم، هو اللبنة الأولى وحجر الأساس للنهوض بالمجتمع.
العدد 1125 – 20-12-2022