الملحق الثقافي- سلام الفاضل :
يحتفل العالم، ولاسيما الناطقين باللغة العربية، في مثل هذه الآونة، باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف ١٨ كانون الأول من كل عام؛ وحري بنا في هذا اليوم أن نثمّن لغتنا العربية التي أدرجتها الأمم المتحدة عام ١٩٧٣ كإحدى اللغات الست الرسمية فيها، كما ينبغي أن نمكّن لها ونحتفي بها كلغة ما زالت حية ومتجددة، تُؤلّف بها الآداب، ويترجم منها وإليها العديد من المؤلفات، وهي إلى جانب ذلك لسان ينطق به أكثر من ٤٠٠ مليون نسمة من سكان هذه المعمورة.
غير أن التمكين للغة العربية، والحفاظ عليها كلغة عصرية سارية المفعول تواكب الحداثة التي تشهدها مختلف المجالات العلمية والفكرية والأدبية الحديثة في عصر الشابكة والإنترنت والفضاءات المفتوحة يدفعنا إلى إمعان النظر في مفردات هذه اللغة التي ينام معظمها في بطون معاجم مضى على وضع أحدثها نحو خمسين عاماً، على الرغم من اختلاف دلالات كثير من المصطلحات، وموت بعض المفردات التي غدا استخدامها طفيفاً ونادراً، إلى جانب ظهور مصطلحات جديدة ذات دلالات عصرية حداثية، والمتابع للشؤون اللغوية للغة العربية لا بد أن يدرك أن محاولات فردية وقليلة جرت لاستحداث معاجم لغوية عربية حديثة غير أنها لم تكن سوى طفرات لم ترقَ إلى مصاف أمهات المعاجم الكبرى التي مازالت تملك القول الفصل في شؤون مفردات العربية ودلالة معانيها.
وللبحث في هذا الأمر أكثر تحرينا رأي الدكتور وائل بركات الأستاذ في قسم اللغة العربية، كلية الآداب – جامعة دمشق الذي رأى بدايةً:»إن المعاجم في اللغة العربية تقتصر على المعاجم الآنية الزمنية، أي المعاجم التي لا تهتم بالتطور التاريخي للدلالة؛ فاللغة تمتاز دائماً بالدلالات الجديدة، وهذا الأمر لا تراعيه المعاجم العربية»، وأردف: «كما أن المعاجم العربية الحالية مكتفية فقط بما هو سابق، أي أنها لا تريد أن تُحدّث، على الرغم من بعض التجارب التي قامت في هذا المجال كوضع المعجم الوسيط مثلاً، الذي عمل على تجميع بعض الكلمات الجديدة فقط».
وتابع بركات متناولاً ما ينبغي توافره في سبيل استحداث معاجم لغوية تواكب العصر، قائلاً: «وهذا الأمر يحتاج إلى جهود جبارة، وعمل فريق كبير؛ بمعنى أن هناك دائماً مصطلحات جديدة، وتطورات دلالية جديدة، يجب الاشتغال عليها، وهذا الأمر غير موجود، وقد يكون السبب في ذلك أننا لا نملك هذه الروح الجماعية، أي روح الفريق التي تعمل على إنتاج عمل لغوي فكري ثقافي مهم».
وطرح بركات في معرض حديثه تساؤلاً نصّ على السبب في عدم وجود تصوّر لوضع معاجم لغوية عربية حديثة، كما هو الحال مع اللغات الأخرى كالإنكليزية والفرنسية، التي تعمل كل عام أو عامين تقريباً على تحديث معاجمها اللغوية. ليجيب: «إن هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على عقلية التوقف والجمود التي نتصف بها للأسف؛ فليس ثمة أي محاولات لتجديد اللغة، أو حتى لرصد التجديد الناشئ عن اللغة نفسها، كالتجديد الاجتماعي أو العلمي، أي إن عقلية الجمود والتوقف عند ما أنجز هي العقلية السائدة، أما عقلية التطور أو مواكبة الحالة الحداثية للغة فهي غير موجودة، وهو أمر لا تسعى إليه كذلك المجامع اللغوية، أو الهيئات الثقافية».
وفي الختام واستناداً إلى ما سبق فإن التطور الدلالي للغة الذي يولّد مفردات جديدة ذات دلالات عصرية حديثة يفرض علينا ألا نركن لمعاجم هي ابنة عصورها أكثر مما هي تمثّل حداثة العصور التالية، وأن نسعى جاهدين إلى الخلاص من كل التيارات التي تدعو إلى جمود اللغة وتأطيرها في قوالب جاهزة، وأن نشجع الأصوات التي تدعو إلى تيسير اللغة وتحديثها وإدخالها عجلة الحراك الحضاري الحداثي، كي تظل اللغة العربية لغة حية، ومواكبة لمجريات العصر وتطوراته العلمية والفكرية، والأدبية.
العدد 1125 – 20-12-2022