مع حلول الذكرى السنوية السابعة والأربعين لرحيل موسيقار الأزمان فريد الأطرش، تتكرر المفردات والعبارات المستهلكة والجاهزة، وفي مقدمتها القول: لماذا لم يتم اللقاء بين ألحانه وصوت أم كلثوم، أو صوت عبد الحليم حافظ، كما تتكرر عبارة أنه مطرب الحزن والدموع، وما إلى ذلك من تضليل إعلامي يحاول التقليل من عظمته وعبقريته الفذة وحساسيته السمعية النادرة، هو الذي احتفت منظمة اليونيسكو الدولية به كواحد من أعظم الموسيقيين والمطربين والعازفين في القرن العشرين.
ومن وجهة نظرنا ونظر جمهوره العريض نقول: فريد لم يكن بحاجة لأحد لتحقيق مزيد من الشهرة، ومزيد من الجمهور، وسواء غنت أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ له، فهذا غير مهم بالنسبة لعشاقه، ولنقاد الموسيقا الذين أنصفوه، حيث حقق شهرة عالمية من دونهما، هو الذي قال عنه المايسترو الراحل وليد غلمية: “إنه الأبرز بين معاصريه، في إمكانية ترجمة أعماله الغنائية، إلى معزوفات أوركسترالية”.
وبالنسبة للتركيز على الحزن في ألحانه وأغانيه أقول: أين الذي لم يكن مطرب اللوعة والحرمان والحزن، وأين الذي قدم الأفلام الاستعراضية الغنائية الراقصة بالزخم الذي قدمه فريد الأطرش، والتي تؤكد أنه كان وسيبقى موسيقار ومطرب الفرح والحزن معاً، ولهذا نقول كفاكم تضليلاً وجهلاً وظلماً وإقليمية، ولاسيما أننا نكاد لا نعثر ولا على مقالة واحدة تتحدث عن (الابتهاج الحزين) الذي هو من أبرز سمات أغانيه. وبالطبع لا نستطيع تجاهل مسحة الحزن في أغانيه (شأنه شأن غيره من كبارالمطربين والمطربات) ولكن لماذا لا أحد يقول عن أغانيه بأنها تعطي الشعور بالفرح والمرح والابتهاج الراقص، الذي يوصلنا إلى آفاق سماوية رحبة، ويؤكد أنه ربيع الأغنية الدائم.
هكذا تمنح موسيقاه وأغانيه الصورة القاتمة إلى درجة السواد المطلق والكلي، طابعها المتفائل الملون بالفرح والموصول بالمرح والأمل المتجدد، ففريد الأطرش ابن سورية لم يكن فناناً عبقرياً وفذاً فحسب، بل كان المؤسس والمكتشف والمعلم والموجه في التلحين والغناء والعزف، ولقد رحل عن عالمنا في 26 كانون الأول من عام 1974 بعد أن أغنى المكتبة الموسيقية والغنائية، بكل ما هو نفيس ونادر وخالد ومتجدد مع الأجيال المتعاقبة.