ربما يرى البعض أن الحديث حالياً حول وجود خطة وطنية لتأمين السكن غير ملائم في ظل الصعوبات التي تواجه السوريين لتأمين سبل العيش والخدمات الأساسية اليومية حيث يتصدر هذا الأمر الأولوية القصوى في وقتنا الحالي ولكن هل هذا يعني أن تأمين السكن لم يعد من الأولويات؟.
الإجابة عن هذا التساؤل بحاجة لنقاش عقلاني وموضوعي فمن جهة ثمة أولويات أهم للدولة السورية تتمثل في تأمين مستلزمات إنتاج رغيف الخبز والمحروقات والكهرباء ومياه الشرب ومستلزمات الزراعة والصناعة والدواء وغيرها من الحاجات الأساسية… ولكن من جهة أخرى فإن تأمين السكن الصحي والمناسب يمثل أيضاً أولوية بالنسبة لآلاف الأسر التي تدمرت منازلها من جراء الإرهاب، وأيضاً يمثل أولوية بالنسبة لآلاف الشباب السوري الصامد والذي لا خيار أمامه سوى الاستمرار والتاقلم مع الواقع الحالي ولاسيما أن المجتمع السوري يصنف من المجتمعات الفتية التي تمتلك النسبة الأكبر من السكان الشباب وعليه يجب التفكير في مستقبل هؤلاء المرهقين من تحمل تكلفة أجرة المساكن حتى في المناطق العشوائية التي أصبحت ملاذاً لهم…
هذا النقاش يقودنا إلى مجموعة تساؤلات حول خطة الدولة لتأمين السكن والتي أعلنت خلال الاجتماع الأخير للحكومة في مجلس الشعب أن الخطة الإسكانية تشمل بناء نحو ٢٣ ألف مسكن تم منها تسليم مايقارب ٣٦٠٠ مسكن فقط… شخصياً أعتقد أن السؤال الأهم يتمثل في ماهية أدوات الجهات المعنية لتأمين السكن بعد مرور سنوات على حل الاتحاد التعاوني السكني وغياب شبه كامل لأي دور للشركات التطوير العقاري التي كان يعول عليها الكثير في تنفيذ خطة سكنية وطنية وأيضاً في إعادة الإعمار.
الشركات التي نحن بصددها ربما موقفها مبرر في غياب دورها حالياً في ظل ارتفاع تكاليف البناء وتراجع القدرة الشرائية للسوريين وتبدل الأولويات فهي جهات ربحية بالدرجة الأولى، وتالياً فإن أي تحرك لها مرتبط بالمنفعة المادية للملاك ناهيك بغياب استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار ومشاكل التمويل المعروفة الأمر الذي يعيدنا لمبررات حل القطاع التعاوني السكني الذي لم يكن تحقيق الأرباح هدفاً له وإنما تأمين السكن بسعر التكلفة للمكتتبين والمستفيدين.
البعض قيّمه أنه ملوث بالفساد وهو قطاع لا يمكن إصلاحه، وأعتقد أن هذا الدافع غير كاف لاتخاذ قرار بالحل لقطاع لديه إنجازات كبيرة في مختلف المحافظات والمدن السورية ربما كان من الأجدى أن يعالج مافيه من فساد أو ترهل مقابل الدور الذي يمكن أن يؤديه علماً أن أغلب السوريين لديهم الإمكانية لتحمل تكلفة عقار أو مسكن بسعر التكلفة بعيداً عن المضاربات التجارية بدليل أن أغلب السوريين اتجهوا للعقارات كأحد أشكال الادخار والاستثمار في وقتنا الحالي.
إحدى الصدف جعلتني ألتقي بمسؤول سابق في الاتحاد التعاوني السكني ومن خلال حديث عابر أكد لي أنه وقبل تطبيق قرار الحل تقدم بمبادرة لتأمين آلاف الشقق السكنية مجاناً لمن تعرضت منازلهم للدمار في إحدى المحافظات إلا أن المقترح لم يؤخذ في الحسبان، وبالنسبة لي لم يكن لدي أي فكرة عن جدية هذا الأمر إلا أن التفكير بالأمر لوهلة جعلني في حالة تأمل ما إذا كان هناك احتمال ولو بسيط أن يكون ماقاله قابلاً للتطبيق.