د. مازن سليم خضور:
كلُ شيءٍ ضاق ..ضاقَ حتى ضاع هي كلمات أغنية لأحد المسلسلات السورية بعنوان (أحلام كبيرة) كنا قد اعتقدنا أن هذه الكلمات كتبت من أجل أحلامنا فقط لكن لم نكن نتوقع أن يصل الضيق إلى القبور؟
في علم الاقتصاد هناك قاعدة تقول عندما يزداد الطلب فإن السعر سيزداد؟
أما في الشرائع السماوية فالروح مردها إلى الله وحده سبحانه وما على الإنسان سوى احترام الجسد وإكرامه وفي الإسلام “إكرام الميت دفنه”.
حتى أن أول جريمة قتل لنفس بشرية كانت بين ابني آدم الأخوين قابيل وهابيل، وذلك حينما قتل قابيل أخاه هابيل، فأرسل الله عز وجل غراباً ليعلم بني أدم دفن موتاهم.
الموت مؤلم لذوي الفقيد لأن الفراق صعب، لكن إذا ما ترافق هذا الفقد بعدم قدرة ذوي الفقيد على تأمين قبر لفقيدهم في ظل الارتفاع المخيف في أسعار القبور والتي أصبح ثمن بعضها يوازي ثمن منزل فهذا ألمٌ مضاف.
بالتالي وفقاً للشرائع بأغلبها يجب دفن الموتى في المقابر وهنا تكمن المشكلة لدينا خاصة في مراكز المدن وبالأخص في العاصمة دمشق حيث أصبح الدفن في طابقين أو ثلاثة طوابق.
سابقاً كان يوضع جثمان ثان في القبر بعد مضي عشر سنوات أما الآن يكفي مضي خمس سنوات وحتى أقل ليسمح بدفن جثمان ثان، كون الجثة الأولى قد تحللت، ويعطى الحق بدفن متوف جديد شريطة أن يكون الشخص المدفون من نفس عائلة الموتى السابقين حيث تعتبر وزارة الأوقاف السورية أن القبور في دمشق “ليست سلعة”، ولا يمكن بيعها وشراؤها، وجميع مقابر العاصمة هي ملك للأوقاف.
أسعار القبور في العاصمة دمشق شهدت ارتفاعاً كبيراً، وموزعة كمقبرة باب الصغير والدحداح وحتى تلك التي في الأحياء مثل ركن الدين والمهاجرين وكفرسوسة والشيخ سعد وعدد هذه المقابر بالعشرات لكنها تعاني من ضغط شديد ما اضطر البعض إلى دفن أفراد أسرهم في مقبرة نجها التي تقع جنوب دمشق الجنوبية أو في منطقة عدرا بريف دمشق التي بدأ العمل بإنشائها منذ سنوات، والسبب هو ارتفاع أسعار القبور في دمشق بشكل أصبح ثمن القبر يوازي في بعض المناطق ثمن منزل!
هذا في العاصمة دمشق أما في المحافظات الأخرى فنجد اختلافاً ففي حمص بين مشرف مقبرة الفردوس في حمص المهندس فراس العبدالله لصحيفة الثورة أنه لا يوجد سعر للقبر في مقابر المحافظة موضحاً أن السعر الوسطي لرسم الدفن (٦٠٠٠٠) ألف ليرة.
وعن سعر وتكلفة ترخيم القبر أوضح المهندس فراس أن السعر بحسب نوع الرخام وطريقة تصنيعه وتركيبه والكتابة على شاهدة القبر، مبينا أن التكلفة تتراوح بين (٤٥٠) ألفا (نوع مصيافي او حموي) إلى (٨٠٠) ألف ليرة (رخام تركي) مشيرا إلى أن قياس القبر ارتفاع (٣٥) سم و طول (٢) متر وعرض واحد متر.. وهذه التكلفة تعود إلى الإمكانية المادية لذوي المتوفي والمقبرة لا علاقة لها بالترخيم وإنما بالدفن وتعتبر مقبرة الفردوس الأقل من حيث تكاليف الدفن وكافة عمليات الدفن للشهداء مجانا.
وفي شرق البلاد وتحديدا في دير الزور ذكر رئيس مجلس المدينة المهندس جرير كاكاخان للثورة أن مكتب دفن الموتى في مجلس المدينة يقتصر عمله على نقل القبور من الحدائق والأماكن العامة إلى المقابر بالنسبة للموتى الذين دفنوا فيها خلال سنوات الحصار وبشكل مجاني، إضافة إلى قيامه بدفن الأشخاص الذين لا يوجد أحد من أقاربهم للقيام بهذه المهمة.
وبين كاكاخان أن مكاتب خاصة تقوم بدفن الموتى، وتكلفة دفن المتوفى في المكاتب بحدود (٣٠٠-٤٠٠) ألف ليرة في المكاتب الخاصة متضمنة حفر القبر و تغسيل وتكفين المتوفى ونقل الجثمان إلى المقبرة.
أما في الجنوب السوري وفي السويداء قال رئيس مجلس المدينة شحاذة حاتم رئيس مجلس المدينة أن البلدية قامت باستملاك مساحة من الأرض غرب المدينة وبيعها محاضر للعائلات لاستخدامها كمدافن بأسعار رمزية منذ سنوات طويلة.
يشار إلى أن مكاتب دفن الموتى أحدثت بموجب المرسوم التشريعي الرقم (١١٦) تاريخ ١٥/١٠/١٩٥٢ وتقوم بتجهيز الموتى وتكفينهم وتأمين مراسم الصلاة ونقل الموتى بالإضافة إلى تأدية جميع النفقات التي تستلزمها الأعمال السابقة وسواها التي يتطلبها نقل الموتى حتى مرقدهم الأخير.
وكما كانت مقدمة هذه المقالة بشارة مسلسل (أحلام كبيرة) ننهيه بنفس الشارة التي تقول: نامي إذاً يا روحو نامي الآن.. هي آخر الأحلام.. نطلقها على عجل ونمضي.. هي آخر الأيام.. نطويها..ونرحل بسلام.