الثورة – حسين صقر:
ثمة خطأ كبير عندما يخلط الناس بين النفاق والمجاملة، والإعراض عن قول الحق، وسماحة النفس، إذ لكل مصطلح أو كلمة منها معنى يختلف عن الآخر، ويميز بينها.
يقول العامة: إن فلاناً منافق وتراه على بعد واحد من الجميع، وبذلك يحكمون على هذا الشخص عرفياً حكماً قطعياً يرمون فيه بسهامهم كي يكون كما يريدون هم، وليس كما يقتضي الموقف أو قناعته بما يجري أمامه، كما يتهمونه بأنه أعرض عن قول كلمة الحق، في الوقت الذي يقول تلك الكلمة ولكن على طريقته، دون أن يؤذي مشاعر الآخرين عند دعوته للتحكيم في أمر أو الفصل في قضية تحتاج لحل، لأن مشكلة الناس ببساطة، ولدى الغالبية العظمى منهم، من ليس معنا فهو ضدنا، وإذا قُدر له وقال كلمة حق استعدوه، وهو ما يذكرنا بأجمل ما قيل عن ذلك” بأن قول الحق لم يترك لقائله صاحباً” لأن الناس تحركهم الأهواء والمصالح، وإذا أرادوا شخصاً وضعوه في العليين، وإن أغضبهم أو غضبوا منه، جعلوه أسفل السافلين، متناسين أن ذلك الشخص فقط أراد الإمساك بالعصا من المنتصف ولا يريد أذية الآخرين بكلماته، ما دام الموقف يحتمل ذلك، وأنه بكلماته الرقيقة والهادئة والمتزنة يمكن أن يخمد ناراً يمكن أن تتوهج وتحرق كل ما حولها.
فالنفاق أن يعلم الشخص أن فلاناً أخطأ وعمل الموبقات كلها، ومع ذلك ترى الناس حوله من كل حدب وصوب، يصفقون له ويؤيدونه، سواء أخطأ أم أصاب، ولا يواجهونه بما فعله، وتراه يحظى باهتمامهم في كافة المناسبات على اختلاف أنواعها، بل ويصغون إليه بشغف وهو يتصدر المجالس ويضحكون في وجهه، ويهمزون ويلمزون في غيابه.
بينما المجاملة تدخل في إطار جبر الخواطر وهي لا تضر هذا الشخص في شيء، بل ربما تحفزه على العمل وتقديم الأفضل، حتى لو كان ما يقدمه متواضعاً، أو تكون تلك المجاملة على شكل إبداء رأي بين اثنين يمازحان بعضهما، ولا يريد إزعاج أي منهما، ويعلم أن ما يقوله لن يحدد مصيراً لأيٍ منهما، وما يدور الحديث حوله مجرد موقف عابر لا أكثر أو أقل، وهذا ما يدخل في إطار سماحة النفس والحفاظ على الود، وتشجيع الاثنين معاً على مداراة خواطر بعضهم بدل الكلمات الهجومية التي تبدأ مزاحاً، وقد لا تنتهي في أحيان كثيرة إلا بالعداوة والمقاطعة.
كثير من المواقف حصلت نتيجة النفاق ولعب البعض على جميع الحبال، وكما يقال في العامية: إن فلاناً يدخل مع أم العروس، ويخرج مع والدة العريس، في الوقت الذي يقلب فيه الحقائق، ولا يوصل الرسالة كما هي، أو كما تكون، إذ كثير من الخلافات تسعّرت نارها بسبب نفاق شخص لآخر، عبر تشجيعه على الخطأ، في الوقت الذي يجب عليه أن يواجهه بخطئه ويعرفه أنه ماض في طريق لن تحمد عقباه، وهناك الكثير من القصص والحكايات عن إخوة تدخل بينهم طرف ثالث، وبدل أن يصلح ذات البين، فاقم المشكلة وزادها تعقيداً، وما قام به نتيجة ما يختزنه من أحقاد في صدره على الطرفين معاً، وأراد من خلال التدخل إطالة المسافة بينهما، بدل تقريب وجهات النظر، ما يؤكد أنه لا يمتلك من سماحة النفس تلك ولو ذرة واحدة، أو يعرف عنها حتى حرفاً واحداً.
خيط رفيع يفصل بين تلك المصطلحات، والناس يعلمون ذلك، منهم من يحاول قطع تلك الخيوط، ومنهم من يعمل جهده للحفاظ عليها.
ولهذا يختلط على البعض العلاقة بين المجاملة والنفاق، حيث يبدو الأمران متقاربين لوجود عناصر مشتركة بينهما كالتظاهر بالطيبة وابتسامة الوجه والتقرب من طرف آخر، قد يكون مسؤولاً أو معرفة عادية، ولكن إلى جانب تشابههما في بعض العناصر المشتركة إلاّ أنّهما يبتعدان كثيراً عن بعضهما في جوانب أخرى. وهذا ما يجعل من المجاملة أمراً مقبولاً ويجعل من النفاق وجهاً مكروهاً، فالمجاملة مرغوبة ومحببة ما لم تشجع على فساد أو ظلم وتسكت عن حقّ، وهي تعني في بنائها المحض المشاركة في عمل الجميل أو قوله، وبمعنى آخر هي ردّ على الجميل بمثله وعلى اللطف بأحسن منه وعلى عمل الخير بأكثر منه، بينما النفاق تشجيع على ارتكاب الخطأ والتمادي فيه والمضي بالغي والظلم، ساعياً صاحبه بذلك إلى مصالحه الشخصية، معتمداً الكذب والمبالغة والتهويل والخداع ومدح الشخص بما ليس فيه أو تنزيهه أو محاولة تبييض صفحته بما يقال عنه، ولا يتورّع عن إلحاق أكبر الضرر بأشخاص آخرين أو بالمجتمع و حتى الوطن من أجل مصلحة، ليبقى الفرق بين المجامل والمنافق، أنّ الأول يظهر صدقه ولو بعد حين، وأما المنافق فيظهر كذبه ونفاقه بعد أن تتحقق أهدافه، ولا تعود له مصلحة عند من نافق له.